وَمْضَةُ حُضُور…..بقلم خديجه بن عادل

١. النِّداء
نَادَيْتُهُ…
فَلَمْ يَأْتِنِي مِنْ صَوْتِهِ شَيْءٌ،
لٰكِنَّ قَلْبِي انْشَقَّ
وَأَزْهَرَ.
مَضَى طَيْفُهُ
فِي عُرُوقِ الغِيَابِ،
لٰكِنَّهُ تَرَكَ فِي دَمِي
شَجَرَةً مِنْ يَقِينٍ.
مَا قُلْتُ: «أَيْنَ؟»
وَلَا سَجَدْتُ لِلْوَقْتِ،
بَلْ وَقَفْتُ عِنْدَ الْعَتَبَةِ،
أُمسكُ الْهَوَاءَ كَمَا يُمْسَكُ الدُّعَاءُ،
وَأَبْكِي.
هُوَ لَمْ يَأْتِ،
لٰكِنَّهُ كَانَنِي،
حِينَ سَلَّمْتُ،
تَفَتَّتَتْ حُدُودِي،
وَصِرْتُ أَنَا مَنْ لَا اسْمَ لَهُ
إِلَّا: هُوَ.
٢. السُّرَجُ الدَّاخِلِيَّة
مَا كُنْتُ أَبْحَثُ عَنْهُ،
كَانَ يزْهرُ فِي دَاخِلِي،
كَأَنِّي أَمْشِي إِلَيْهِ
مِنْ جِهَةٍ تَسْكُنُنِي.
لَمْ أَقُلْ: «دُلَّنِي عَلَيْهِ»،
بَلْ قُلْتُ:
«خُذْنِي مِمَّا لَسْتُ أَنَا»،
فَانْفَتَحَتْ أَبْوَابٌ
لَمْ تُصْنَعْ مِنْ خَشَبٍ،
وَلَا تُفْتَحُ بِالْمَفَاتِيحِ.
كُنْتُ أَتَقَشَّرُ عَنْ اسْمِي،
عَنْ شَكْلِي،
عَنْ يَقِينِي القَدِيمِ،
لِأَصِيرَ ظِلًّا مِنْ نَفَسِهِ،
وَرَعْشَةً فِي جَبِينِ الغَيْبِ.
هُوَ لَا يُرَى،
لٰكِنَّهُ الَّذِي يَرَانِي
مِنْ حَيْثُ لَا أَدْرِي،
وَلَا أَدْرِي.
أَرَدْتُهُ نَهْرًا،
فَصَارَنِي.
أَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ اسْمَهُ،
فَمَحَتْنِي الْحُرُوفُ.
وَسَمِعْتُهُ يَهْمِسُ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ سُكُونٍ:
«مَتَى غِبْتُ؟
وَأَنْتَ الَّذِي لَا تَكُونُ،
إِلَّا بِي.»
٣. فِي مَقَامِ الفَنَاءِ
حِينَ ذَابَ الْوَقْتُ،
لَمْ يَبْقَ مِنِّي
غَيْرُ صَدًى يَتْلُو عَلَى الْبَيَاضِ: هُوَ.
لَا أَرْضَ تَحْتَ خُطَايَ،
وَلَا سَمَاءَ فَوْقَنِي،
بَلِ اتِّسَاعٌ
يُنَادِينِي بِاسْمِي
ثُمَّ يَنْسَاهُ.
كُنْتُ أَظُنُّنِي أَصِلُ إِلَيْهِ
كَأَنَّهُ نِهَايَةٌ،
فَإِذَا بِهِ
يُسْقِطُ عَنْ قَلْبِي الجِهَاتِ،
وَيَصِيرُ
بِدَايَةَ كُلِّ شَيْءٍ
وَأَبْعَدَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
لَا مِرْآةَ لِي،
وَلَا ظِلَّ،
وَلَا رَجْعَ نَفَسٍ.
صِرْتُ أَنَا
نُقْطَةً سَاكِنَةً فِي عَيْنِ النَّظَرِ،
مَحْوًا شَفِيفًا
يَمُرُّ مِنْ خِلَالِهِ النُّورُ
وَلَا يَعْلَقُ بِشَيْءٍ.
فَنَاءٌ؟
بَلِ امْتِلَاء.
غِيَابٌ؟
بَلْ كَشْف.
أَنَا؟
بَلْ…
مَنْ ذَابَ فِي النُّورِ.