كتاب وشعراء

إنّي أراك….بقلم القس جوزيف أيليا

إنّي أراكْ
نعمْ
أراكْ
لكنّما ليس كما أحببتُ يومًا أنْ أراكْ
فقد غدوتَ ضائعًا مشرَّدًا وجائعًا وعطِشًا
وحدَكَ في صحراءَ تمضغُ حَصاكْ
ثيابُكَ البيضُ توسّختْ ومُزِّقتْ
وصوتُكَ اختفى
وشَعرُكَ الجميلُ صارَ أشعثًا منفِّرًا
ووجهُكَ الضّوءُ يفِرُّ منهُ
والعينانِ لا بريقَ فيهما
وعصْفٌ مِنْ رمادٍ وغبارٍ قد غزاكْ
ما عادَ لحنُ الأغنياتِ موقِظًا فيكَ سرورًا ميّتًا
ولا زهورُ الأرضِ تعنيكَ
وتنسيكَ روائحَ القبورِ
ومضتْ فوق الّذي يوخِزُ تمشي قدماكْ
آهٍ
فقُلْ :
مَنْ لكَ لوّثَ المياهَ
راميًا فيها سمومًا وبُصاقًا عفِنًا؟
ومَنْ إلى بيتِكَ أدخلَ أفاعيْهِ؟
ومَنْ جعلَ خبزَكَ رديئًا فاسدًا يهربُ منهُ الجائعونَ؟
مَنْ بآبارِ دياجيرَ مِنَ الوهمِ رماكْ؟
فعدتَ بعد صحوةٍ إلى الوراءِ
تحتسي كؤوسَ جهلٍ مُرّةً
ولمْ تعُدْ ترى الحياةَ رحلةً جميلةً ممتعةً
ولمْ تعُدْ تزرعُ زيتونًا ولا قمحًا
وشيطانُكَ حيٌّ
يشربُ القهوةَ معْكَ باسمًا
يعطيكَ خنجرًا لتقتلَ بهِ حقدًا أخاكْ
كم مرعبًا صرتَ
تقودُ جيشَكَ الأعمى
لسحقِ ظبيةٍ
وحرقِ ربوةٍ
وذبحِ طفلةٍ
ورجمِ فكرةٍ بها هجرُ دُجاكْ
إنّي أراكْ
مكلَّسَ العظامِ
تائهَ الخُطى
مغيَّبًا
مشوَّهًا
محطَّمًا
لا قمرٌ مكتملًا صوبَكَ يأتي
وعلى فمِكَ يهجمُ الذّبابُ
ثمَّ تمضي بيدٍ مكسورةٍ وركبةٍ منخورةٍ
مكفَّنًا بالشّوكِ والدّخانِ نحو عمقِ أعماقِ الهلاكْ
إنّي أراكْ
وليتني ما كنتُ هكذا أراكْ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى