رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب : أكاذيب بابا الجميلة

“”
جلست إبنتي في الصالة وهي تبحلق بي كما لو أنها
تنظر الى خرافة ومن الواضح أنها تريد أن تقول شيئاً لم تقله من قبل،
ثم تململت قليلاً تبحث عن مدخل مريح،
بين الاسلوب النرويجي الناعم وغير المباشر وبين الاسلوب العراقي المباشر
كأن يسألك العراقي وأنت في مأتم عزاء:
” متى يفتح البار في الصباح؟”.
وفجأة قالت بعد أن تغلبت الخلايا العراقية لأن العرق دساس:
” بابا، أشو أنت في كل عزاء لاطم،
هناك حكاية لم أسمعها منك عن مطاردة كولونيل الموساد الإسرائيلي؟”
” معك حق كما لو أن الاقدار تحرك ذلك،
ولم يكن أي واحد منها خياراً لكن قصة كولونيل الموساد شيقة على كل حال،
وحدثت كالتالي”
وبدأت أروي :
” بعد محاولة اختراق مضيق كلي علي بيك وتعرضنا لإبادة شبه تامة من قناصي البيش مركه من فوق ضفتي المضيق الضيق الذي يسمح بمرور سيارة واحدة،
ومن قمتي جبال نواخين وكورك ـــ من دون تفاصيل مفزعة ـــ تم التخلي عن اختراق المضيق الى عملية نوعية في شق طريق للدبابات فوق جبال كورك
وهي أول عملية دبابات فوق الجبال في العالم، وصُدم المسلحون من عملية التفافية،
ودخلنا سهل ديانا من راوندوز ثم بلدة ديانا المخربة وهي بلدة مسيحية آمنة،
لكن معلومات الاستخبارات الفورية تقول إن عقيداً في الموساد الاسرائيلي
في بلدة ديانا يعمل مستشاراً لمصطفى البرازني،
وتم تفتيش كل خرائب وأنقاض ديانا، وعثرنا على مكتبه ولم يترك فيه شيئاً سالماً”.
” ماذا كان يفعل هناك؟”
” ليس لتقشير البصل بل لادارة الحرب، وفي مذكراته يعترف جنرال الموساد الاسرائيلي المتقاعد اليعازر تسافرير إنه كان في بلدة ديانا وفوجئ بتقدم الجيش المباغت وهرب الى ايران عن طريق هاملتون ـــ نسبة للمهندس النيوزلندي الذي شق الطريق آرشيا مايلن هاملتون A.M.HAMILTON
خلال الوديان والجبال الصخرية والهضاب في الفترة 1928-1932 خلال عهد الملك فيصل الاول و الانتداب البريطاني من اربيل مرورا بشلال كلي علي بيك و مضيق راوندوز وينتهي عند حاج عمران آخر منفذ حدودي مع إيران،
وهناك صورة للجنرال الاسرائيلي له بزي محلي قرب ديانا في حالة ترقب قدوم الجيش”.
” أعرف أن الهجوم بدأ في الربيع بعد ذوبان الثلوج. كيف قضيت الوقت؟”
” في الحرب لا وقت لكن تراكم الثلوج وانتظار هجوم الربيع،
جعلنا في حالة ترقب”
” لهذا لم تهتم بثلوج النرويج”
” تماماً. كان مقرنا مسجداً مهجوراً وعلى مبعدة منه كنيسة مهجورة،
هرب المصلون وترك المكان للمحاربين”
” طبيعي وفي كل مكان”.
لم أرو مذبحة مضيق كلي علي بيك حيث نمنا بين القتلى لان الوقوف يعني القتل الفوري وكيف تعرض المسجد للقصف وهربت الى مغسل الموتى في الليل، وانبطحت في ممر اسمنتي لغسل الموتى، وعلى ضوء وميض القنابل شاهدت جثة تحتي، وكانت في الواقع صورتي منعكسة في الماء.
” من هو الكولونيل اليعازر؟”
” اليعازر تسفرير ضابط في المخابرات و العمليات الخاصة الاسرائيلي الموساد، يهودي ايراني، عمل مدير شعبة الموساد في بيروت،
كما ترأس شعبة الموساد في شمال العراق ولبنان و ايران، مؤلف كتاب انا كردي،
تقاعد برتبة جنرال،
هل تتذكرين يوم إتصلت بك يوماً من المغرب وطلبت منك الحصول على رقم هاتف خبير النفط الدكتور العراقي فاروق القاسم هنا مكتشف النفط في النرويج؟”
” نعم وتحدثت معه وكان انساناً لطيفاً جداً، وأعطاني رقم الهاتف لكني لم أعرف السبب؟”
” السبب لأن سلام مسافر صاحب برنامج في قناة روسيا اليوم اتصل بي وطلب رقم هاتف الدكتور لاجل مقابلة”
” وما علاقته بالكولونيل؟”
” سلام مسافر نفسه أجرى مقابلة مع الجنرال اليعازر، وكان يتكلم العربية بطلاقة وقال في تلك المقابلة ما قلته لك وأكثر عن هروبه من ديانا”.
” حكاية الموساد في شمال العراق قديمة إذن؟”
” هم أسسوا البارستن جهاز الاستخبارات التابع للحزب الديمقراطي الكردستاني، وطلبوا من الاب البرزاني اشعال فتيل حرب اهلية بوضع قنابل في الميادين العامة منتصف الستينات،لكنه رفض لمعتقداته الدينية والقبلية ”
” مشروع خراب العراق قديم؟”
” بلا شك لكن مسعود البرزاني نفذ مشروع الخراب بلا رحمة بعد الاحتلال في عرقلة بناء الدولة وتصفيات واسعة في صفوف العلماء والاطباء ورجال القانون وغيرهم لافراغ العراق من الطبقة الوسطى وأفغنته وجعله جسدا بلا رأس”
” وفي نهاية تلك الحرب عدت الى البيت فوجدت أمراً بالقاء القبض عليك كشيوعي؟”
” نعم ولم أكن شيوعياً يوماً، وتلك قصة أخرى ثم حرب ايران الطويلة”
” لكن بابا قل لي صراحة ما هو الشيء الذي تخبئه عني؟”
” ليس كثيراً عدا بعض الاحداث وسوف أخبرك بها يوماً، لا أحد غيري يعرف ظروفها وكيف تمت، ومن يدري قد يأتي يوم تسمعين أشياء غير صحيحة،
وهناك دفاتر يوميات غير منشورة تتضمن أدق الأحداث الشخصية موثقةً وفي دفتر واحد بعنوان” الرسائل” يتضمن آلاف الرسائل الشخصية”.
كان الثلج يهطل عبر النافذة، وقد إكفهر وجهها وقالت:
” ماذا تعني بذلك ؟”
” لا تقلقي من شيء لأن في زمن كورونا لا ضمان”
” طيب قل لي صراحة متى يتحول العراق الى بلد ديمقراطي؟”
” عندما تسمعين يوماً في الأخبار أن الخيول تطير، والديوك تبيض،
والخنازير صارت تغرد والعذارى انقلبن ذكوراً”.
ــــــــــــــ أكاذيب بابا الجميلة: كتاب غير مكتمل عن حكاياتي الليلية لابنتي قبل النوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى