محمد المحسن يكتب :على هامش التداعيات الدراماتيكية بقطاع غزة
ثمة فسحة من أمل..في دياجير هذا الليل العربي..!

ليس من السهل الكتابة عن جرح لم يندمل بعد.كما يصعب للكلمات أن تضيف لما تسجله الكاميرا من مشاهد لحركة شعب ينبجس من رحم الظلم والظلام ليجدد رفضه ضد إحتلال إستوطن،ويذكّر العالم أنّ ما فيه إستعمار.ويريد،كما أراد غيره من شعوب،أن يرفع علما للحرية وأن يمارس الحياة.
إنّ الظلم والظلام،النّار والدّم،هو المشهد البارز.فما هو مشهدي الثقافي فيه؟!
أسرعت إلى كتابة مقال عن “المشهد
الغزاوي”ترددت في نشره،غير راض عن مستواه الفني،وعن قدرته في استكناه غضبي وأحزاني..!
لا بدّ من “إنجاز”أعمق وأكبر،يتجاوز الإنفعال بالمشهد التلفزيوني إلى المشاركة بالفعل ذاته.
ماذا أفعل؟!
يستغرقني القلق المتسائل.هل هو قلق البحث عن دور ما للمثقف العربي،كلّما جرى التحديق في المسافة بين الكلمة والرصاصة،أو بين الكلمة والرغيف؟
ما أعرفه هو أن فلسطين ليست مجازا.الإحتلال ليس وهما،الشهداء ليسوا صورة تتسلى بهم الفضائيات العربية.أشجار الزيتون التي تقتلع والبيوت التي تهدم ليست”ومضات إشهارية”لفيلم رخيص..
الفتية المشمرون عن سواعدهم المغذاة بشمس بلادهم،يرجمون البغي ويقاومون القمع ليسوا “بدعة”..
ما يجري على الساحة السياسية،بموازاة كل هذا،وخفية عنه،ومتاجرة به،ليس كذبا.
الكل حقيقة.هذا منتهى الكلام..!..
وإذن ؟
الآن..وهنا..نكتفي بأن نتابع المشهد..ننام ونصحو لنحصي عدد قتلانا..ونراقب بقلوب تبكي بصمت قوافل الشهداء تمضي خببا في إتجاه المدافن..
لأكون صادقا أقول: إننا الآن ونحن “ننعم” بعجزنا..أشعر وأنّي على حافة ليل عربي موغل في الدياجير،ولا نستطيع جميعا إلا أن نعزّي النّفس بأننا ننتظر فجرا أو قيامة..
من أي موقع إذن،نتكلّم ويكون لكلامنا معنى أو ثقل..؟!
سأصارح: ثمة سؤال لجوج يمور في وجداني قد يصلح لتفجير تداعيات معنوية وحلمية في زمن ينتفض على أرضه اللّحم البشري: كيف لم يتمكّن العرب من البحر إلى البحر وعلى امتداد أكثر من نصف قرن من الإحتلال الصهيوني،من وضع الأسس الفاعلة التي تضع حدا للسطوة الإسرائيلية وتتيح للكفاح الفلسطيني هامشا فسيحا لتحقيق أهدافه العادلة،ولهذه الأمة العربية-الكسيحة-مجالا فاعلا للتخلّص من الخوف والقهر والتبعية وكذا الحكم الفردي؟!”
وبسؤال مغاير أقول: لماذا يخشى الماسكون بزمام العالم خلخلة أمن إسرائيل دون أن يصوغوا معادلة يردّ عبرها الحق لأصحابه ويُصفّى تبعا لها الإستعمار في فلسطين؟!
أقول هذا لأنني الآن وهنا أشعر في زمن الصمت الأخرس أننا غدونا نهرول نحو الهاوية بعد أن تخطينا الحافة الحرجة وبدأنا نهوي فعلا..
سأصارح ثانية :
أنا محمد المحسن المقيم في الشمال الإفريقي،أنا الملتحف بمخمل هذا الليل العربي الموغل في الدياجير..أعترف أنّ في فلسطين وجعا ربانيا،وأعترف أنّ الفعل هناك رسوليّ،وأعترف أيضا بأنّ ما تنقله إلينا “الفضائيات العربية”من صور مؤلمة وقاسية ليس شهادة وإستشهادا فحسب،بل هو حدث عبور للحدود الفاصلة بين السماويّ والأرضي،بين ما هو بشريّ وما هو ألوهي.
لكن..
ثمة فسحة من أمل في دياجير هذا الليل العربي.خطوة بإتجاه الطريق المؤدية،خطوة..خطوتان ومن حقنا أن نواصل الحلم..
ولتحيا فلسطين.