رؤي ومقالات

صلاح المختار يكتب :لعبة الافيال المدجنة

كثيرون قرؤوا كيف تدجن الأفيال وتسلب منها أرادتها بإعادة تشكيل وعيها من قبل الصياد، أذ يلقى الفيل في حفرة عمدا ويتناوب عليه شخصان أحدهما بثوب أحمر والثاني بثوب أزرق، الأول يضربه ويعذبه ، والثاني يقدم له الطعام والماء ، وبمرور الأيام تحفر في ذاكرة الفيل فكرة أن مرتدي الثوب الأحمر عدوه وأن مرتدي الثوب الأزرق منقذة ، فيأمن الثاني ويكره الأول ! وهكذا ما أن تكتمل عملية غسل دماغ الفيل حتى يخرج من الحفرة من قبل مرتدي الثوب الأزرق،ويختفي مرتدي الثوب الاحمر ، ويصبح الفيل بعد ذلك عبدا مطيعا للثوب الازرق ينفذ ما يريد مهما كان طلبه.
خطة تدجين الفيل هي التي طبقت في العراق من قبل المخابرات الأمريكية، فبعد أن دخلته أمريكا غازية مدمرة للحجر والبشر، عزلت عزلة تامة ووصل عدد عمليات المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال الأمريكي إلى رقم فريد في تاريخ المقاومة في العالم ماضيا وحاضرا، إذ كانت تتراوح بين 200و300 عملية عسكرية في اليوم الواحد، وهذا الرقم أكدته مصادر عسكرية أمريكية. وقد اعترف دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الحالي بأن أمريكا خسرت في العراق ما بين التريليوني إلى ثلاثة تريليون دولار، وهو رقم لم تفقد امريكا مثله في كل حروبها العدوانية ،مثلما اعترفت جهات أمريكية غير حكومية بأن عدد قتلى الأمريكيين في العراق على يد المقاومة الوطنية العراقية زاد على 75,000 قتيل وليس 4000 قتيل، إضافة إلى تعويق أكثر من مليون أمريكي تعاقبوا على الخدمة في العراق،وأصيبوا بعوق ، ولهذا كانت أمريكا بحاجة لخطة تدجين الفيل.
وبدأت الخطة بتسليم العراق إلى إيران، أو إسرائيل الشرقية بحثا عن الدقة في التسمية، وامريكا تعرف معرفة دقيقة تاريخ العداء الفارسي للعرب والأحقاد المتراكمة في نفوس أجيال متعاقبة من الفرس عبر آلاف السنين ضد الأمة العربيةـ فسلم أوباما العراق إلى إيران في عام 2011 حينما انسحب مجبرا ولم يسلمه إلى ما سمي عملاء أمريكا في العملية السياسية ! وكانت أمريكا قبل ذلك في عهد بوش الصغير الذي نفذ عملية احتلال العراق قد سلمت الدولة والمجتمع إلى الميليشيات الإيرانية التي مولت من قبل الكونغرس الأمريكي رسميا، كما أكد ترامب وألغى هذا التمويل في عام 2017 ، لكي تقوم هذه الميليشيات بإكمال الخطة الأمريكية لتدمير العراق تدميرا شاملا يبدأ بتدمير الدولة ثم المجتمع ثم الإنسان العراقي، وتتوج بانهيار القيم الأخلاقية والهوية الوطنية والقومية لشعب العراق.
فتدجين الفيل هي الخطة التي اعتمدتها المخابرات الأمريكية لإكمال غزو العراق بعد أن أفشلته المقاومة العراقية، فجاء دور إنقاذ الفيل ، وظهرت أمريكا بلباس ن أزرق ارتدته إدارة ترامب الأولى والثانية،بعكس ثوب أوباما وبوش الأحمر، وكان رمزا للعداء للعراق، وبدأت ممارسة لعبة تدجين الفيل العراقي بسيل من الوعود بالتخلص من الجلاد الايراني الذي يرتدي الثوب الأحمر ،والذي كان يعذب الفيل وهو في الحفرة يوميا، عن طريق تنصيب مرتدي الثوب الأزرق حاكما على العراق، رغم أنه توأم مرتدي الثوب الأحمر في هذه اللعبة النفسية الواضحة،كما كان دور بوش الصغير وأوباما.
ومنذ سنوات يبشرنا نغول أمريكا المستترون والعلنيون بأن الخلاص قادم وأن أمريكا ستطرد إيران من العراق وتحرره من الظلم والفساد ويعود الأمن والأمان! وهكذا وضعت أمريكا مخدرا طبيا على جرح العراق وشعر كثيرون بأن الخلاص مطلوب مهما كان الشخص الذي يقوم به، فالمهم هو أن يأتي مرتدي الثوب الأزرق لإخراج الفيل العراقي من الحفرة، وما بعدها أقل أهمية.
وفكرة(ما بعدها أقل أهمية) هي المقتل في اللعبة ال أمريكية التي نراها بأعيننا، فبعد إخراج الفيل من الحفرة سوف تجري عملية تحميمه وتضميد جراحه، ليس حبا فيه بل لكي يستطيع حمل أثقال أمريكا المكدسة، أي أن الفيل العراقي سيتبرع بتقديم العراق إلى أمريكا على طبق من ذهب ! لقد غاب عن الفيل أن من تسبب في إيقاعه في الحفرة وفي الجروح العميقة التي أصابته وتجويعه واذلالة هو الذي ارتدى الثوب الأحمر أي أمريكا نفسها، وأنها غيرت الثوب وارتدت الثوب الأزرق كي تستطيع أن تجر الفيل جر الخراف إلى مسلخها وهو تسليم العراق بثرواته وسيادته إليها طواعية!
لقد قام شعب العراق ومقاومته البطلة بإجبار أمريكا على الانسحاب في عام 2011 وكان الشعب العراقي يدعم المقاومة والسبب هو أن الوطن الحر لا يكون حرا إلا عندما يقوده أبناؤه دون إملاء خارجي، ولا سيادة في الدولة إلا بوجود سيادة على الإقتصاد اولا، وأولئك الذين يرتدون الزي الأزرق الآن لا يختلفون عن أولئك الذين ارتدوا الزي الأحمر بعد غزو العراق في عام 2003 فما الفرق بين من يرتدي ثوبا احمرا وأراد أخذ ثرواتنا بالقوة وتدمير هويتنا الوطنية ومحوها وإحلال هويات فرعية طائفية عرقية عنصرية وبين من جاء بثوب أزرق لكنه أيضا يحمل نفس الأهداف ؟ ترامب الان يرتدي الثوب الازرق لكنه بنفس الوقت يقول سنأخذ ثروات العراق ولايوجد عراق !؟
إنه بيع الوطن وكل ذلك يتم تحت شعار إخراج الفيل من الحفرة، فهل يدرك دعاة إعادة تسليم العراق لأمريكا أنهم النسخة المطابقة لتلك الزمرة من الجواسيس والخونة الذين وضعتهم أمريكا في مجلس الحكم ثم في الوزارات العراقية بعد غزوه في عام 2003؟ لا يوجد فرق بين هؤلاء وأولئك، فكلاهما من يرتدي الثوب الأحمر ومن يرتدي الثوب الأزرق يحقق لترامب هدفه بنهب ثروات العراق! ولا يكتفي ترامب ونتنياهو رجله الاقليمي، بذلك بل يعملون لتقسيم الأقطار العربية على أسس طائفية وعنصرية وهو ما أقره الكونغرس الأمريكي في عام 1982 حينما تبنى خطة برنارد لويس المعروفة.
تذكروا لعبة الفيل التي تمارس معكم الآن لأجل خداعكم وجعلكم تسلمون العراق بأنفسكم لأمريكا وأنتم الذين قدمتم ملايين الشهداء منذ الغزو من أجل حرية واستقلال وسيادة العراق. أكيد نحن نرحب بضرب اسرائيل الشرقية ونغولها وتوفير الراحة للشعب واستعادة حقوقه كليا او جزئيا ،ولكننا بنفس القوة نرفض دعم الخطة الامريكية الشاملة للسيطرة على العراق ونهب ثرواته وتغيير هويته العربية، فلا فرق بين غزو امريكي وايراني واسرائيلي.كل غزو شر مميت، والخيار الوطني الوحيد هو مقاومة الغزو الامريكي الجديد بطرق تتقرر في وقتها من اجل استعادة استقلال وسيادة العراق .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى