كتاب وشعراء

أيها الغياب /بقلم/ المبدعة/ نهى غالي/ سوريا

أيها الغياب…
عد الآن إلى سيدك،
واخبره:

أنّ النصوص التي تُكتب عني
تتدحرج مثل دلوٍ في جبٍّ سحيق،
لا تُخرج ماءً،
بل تخرج وجهي معلّقًا بين الطين والسماء،
كأنني صدى لصوتٍ لم يُنطق بعد.

أخبره:
أنّ إخوتي ما زالوا هنا،
يقاسمونني خبزي بعيونٍ متربّصة،
ويمدّون قميصي إلى الغياب،
ليكتبوا به تاريخًا لا يشبهني،
وخطايا لم أعرفها،
ولا عرفني فيها أحد.

أخبره:
أنّ الغربة ليست في منفى بعيد،
بل في بيتٍ مزدحمٍ بالعيون،
في حضنٍ لا يحضن،
وفي يدٍ تتركني على قارعة الحلم.

أخبره:
أنّ السنابل التي حلمتُ بها،
قد انحنت على روحي،
فالتهمتها الريح قبل أن تنضج،
وتركتني أتأوّل رؤياي وحدي،
ممزقًا بين جوعٍ لا ينتهي
وخصبٍ لا يأتي.

أخبره:
أنّ النساء اللواتي قطعن أيديهنّ
لم ينبهرن بجمالٍ غامر،
بل بدهشة الغياب حين يصير وجهًا،
وبارتباك البراءة حين تتجلّى
كجريمةٍ في مرآة.

أخبره:
أنّ السجن لم يكن جدرانًا،
بل انتظارًا يطول،
وغربةً تتكرّر في كل نافذة،
وأنّ الحرية لم تكن خزائن الأرض،
بل لحظة صافية
لم تتسنَّ لي يومًا أن أتنفسها.

أخبره:
أنّي لم أخنه في الغيب،
وأنّ النصوص التي تكتبني
ليست سوى محاولة فاشلة
لإعادة رسم القميص
بألوانٍ لم يعرفها الدم،
ولم يغسلها البحر.

أيها الغياب…
لا تسلني عن نهايتي،
فالنهايات لا تسكنني،
أنا العابر بين الدلو والعرش،
بين البراءة والخذلان،
بين الأخوّة والذئب،
أنا الذي كلّما كتبوه،
ازداد غربةً في نصٍّ آخر.

نُهى غالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى