د. فيروز الولي تكتب :جدو شائع والزمن الضائع
وزارة الخارجية اليمنية بين دكان العائلة ومهرجان الفساد الدولي

“الوزير… الذي جاء بالخطأ”
تخيل أن تدخل مسرحية عبثية بعنوان: “الدولة في زمن الطوارئ”.
الستار يُفتح، فتجد رجلًا سبعينيًا بشَعر أبيض أنيق، يرتدي بزة دبلوماسية، يبتسم بصمت، و… لا يفعل شيئًا.
هذا هو شائع الزنداني، المعروف في أروقة وزارة الخارجية بـ”جدو شائع”، الرجل الذي ظن الجميع أنه وزير… فقرروا أن يتركوه لأنه “طيب وما يزعلش أحد”.
المشهد الأول: الخارجية… دُكان العائلة
تحت قيادة الوزير الحالي، تحوّلت وزارة الخارجية اليمنية إلى ما يشبه “متجر امتيازات عائلي”، حيث:
تُوزَّع السفارات على الأقارب.
تُستبعد الكفاءات.
يُكافأ الولاء العائلي بمراتب دبلوماسية.
ومن لا يملك ظهرًا قبليًا، أو سياسيًا، أو حتى “واتسآب العائلة”، عليه أن يقنع بكرسي بلا ظهر.
خروقات قانونية واضحة:
المادة (24) من قانون الخدمة المدنية اليمني تنص على أن التعيين يجب أن يكون على أساس الكفاءة والخبرة والمؤهلات، لا القرابة أو الولاء.
الدستور اليمني (المادة 25): “تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع المواطنين”.
كاريكاتير مقترح: سفارة مرسومة على شكل بيت شعبي، يضع على الباب لافتة:
“مغلق بسبب مناسبة عائلية”.
—
المشهد الثاني: مكافحة الفساد… بالبيانات فقط
“مكافحة الفساد”؟
الوزير جدو شائع اختار أن يقاتلها بطريقته الخاصة:
بالصمت.
ثم التجاهل.
ثم نشر صور بروتوكولية مع دبلوماسيين صينيين لا يعرفون من هو.
الواقع الرقمي لا يكذب:
مؤشر الشفافية الدولية 2022: اليمن في المرتبة 176 من أصل 180 دولة.
تقرير أممي: الحكومة اليمنية اختلست 423 مليون دولار من الوديعة السعودية.
فضائح فساد أممية: موظفون أمميون في اليمن سرقوا مساعدات إنسانية (AP, UN, OCCRP).
وبحسب القانون اليمني لمكافحة الفساد (القرار الجمهوري بالقانون رقم 39 لسنة 2006)، فإن “التغطية على الفساد أو التغاضي عنه يُعد جريمة إدارية تستوجب العزل والمساءلة”.
المشهد الثالث: أبطال الفساد المسرحي
الوجوه تتكرر، فقط تتغيّر المناصب.
الاسم اللقب المسرحي الدور الرسمي
أوسان العود “عازف تمديد الفساد” إداري/مالي يمارس صلاحيات بلا مساءلة
لؤي الإرياني “قفّاز التعيينات” دبلوماسي بحقيبة مليئة بالقرابات
الياسمين “زهور الدلع في دكاكين الخارجية” كل من وُلد على سلالم المحسوبية
كاريكاتير مقترح:
مبنى وزارة الخارجية وقد تحوّل إلى محل “خياطة سفارات” يُفصّل التعيينات حسب المقاس العائلي.
المشهد الرابع: من “كفاءات مغتربة” إلى “شهادات منسية”
أين ذهب خريجو العلوم السياسية من جامعات اليمن و القاهرة، بيروت، تونس، الرباط، كندا، ماليزيا، بولندا؟
أين أولئك الذين حلموا أن يُمثّلوا اليمن بكرامة؟
الجواب: في قوارب الهجرة، أو على قوائم البطالة، لأنهم بلا واسطة.
في مخالفة مباشرة لقانون الخدمة الخارجية اليمني رقم 2 لسنة 1991، الذي يُلزم بفتح باب التنافس والتعيين عبر المفاضلة.
إحصائية رقابية (2024):
“أكثر من 70% من العاملين بالخارجية لم يُجرِ لهم أي تقييم رسمي منذ تعيينهم”.
من تجارب الدول الأخرى:
في ليبيا، رغم الانقسام، توجد لجان مستقلة لتقييم الكوادر الدبلوماسية.
في السودان، كثير من السفراء يُستبدلون دوريًا بعد تقييم الأداء (حتى أثناء الحرب).
في الصومال، أعادت الحكومة ترشيح ممثليها الخارجيين بعد مراجعة ملفات النزاهة والكفاءة.
المشهد الخامس: الكرسي أهم من الكرامة
الوزير – أو لنقل المنسق الإداري – يرفض أن يواجه، أو يصطدم، أو حتى يربك المشهد.
في النهاية، الكرسي أهم من الكرامة، والتاريخ يُكتَب الآن بسطر:
“كان وزيرًا على الورق… لا على الواقع.”
مَـلَكُ السفارة… مدى الحياة؟
هل تحوّل منصب السفير اليمني إلى لقب وراثي يُورّث؟
هل أصبح بعضهم يعتبر نفسه “صاحب الفخامة” مدى الحياة، في دولة تعجز عن دفع رواتب موظفيها؟
في أي دولة محترمة، يُستدعى السفراء دوريًا، لأسباب مهنية أو سياسية، وليس انتقامًا.
أما في الحالة اليمنية، فهناك قائمة “شرف أبدي”، تضم من جعلوا اليمن أضحوكة دبلوماسية:
من يكتب الخطابات بأخطاء إملائية في محافل دولية.
من لا يتحدث لغة البلد الذي يمثل فيه اليمن.
من يتعامل مع السفارة كأنها مزرعة شخصية أو نادٍ للولائم.
مطلب عاجل باسم السيادة الوطنية:
استدعاء فوري للسفراء عديمي الكفاءة، وإلغاء فكرة “التعيين مدى الحياة”، وإخضاع كل سفير لتقييم سنوي معلن.
مرجعية قانونية:
قانون السلك الدبلوماسي (المادة 8): يحق للجهات العليا استدعاء أي دبلوماسي في أي وقت إذا اقتضت المصلحة الوطنية.
اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961): تعطي الحق للدول في تدوير سفرائها دون قيود.
رسالة لهؤلاء:
إذا كنتم تحبون اليمن، فاسمحوا لها أن تُدار بالكفاءة لا بالمحاباة.
وإن كنتم تُحبون الكرسي أكثر من الوطن… فقد آن أوان استدعائكم.
المشهد الختامي: سؤال من الشعب
هل أصبحت السفارات اليمنية جوائز ترضية، تُوزع كما تُوزع الولائم؟
هل معيار النجاح اليوم هو عدد صورك مع قنصل من الدرجة الثالثة؟
وهل يفهم الوزير أن الدبلوماسية ليست لايكات على تويتر، بل مواجهة حقيقية للفساد الذي ينهش الجسد اليمني؟
أصوات من المهجر
في كندا، يعمل خريج يمني من قسم العلاقات الدولية في محطة وقود.
في بولندا، باحث في دراسات الشرق الأوسط ينظف المطاعم.
في مصر، فتاة يمنية تحمل ماجستير علوم سياسية تُدرّس اللغة العربية للأطفال كـ”نشاط حر”.
هم لا يطلبون المستحيل… فقط أن يُنظر إليهم كـ”كفاءات”… لا كأرقام على جوازات سفر منتهية الصلاحية.
خاتمة: مناشدة ساخرة
يا جدو شائع، إن لم تكن قادرًا على تنظيف الوزارة، فلا تتركها مغسلة فساد لهم.
وإن كتبت مذكراتك ذات يوم، اقترح لك العنوان التالي:
“رحلتي من السكون إلى صور تويتر… وعودة بلا موقف.”
المراجع والمصادر:
Transparency International – Yemen Corruption Index 2022
UN Experts Accuse Yemen Government of Laundering Saudi Money – TBS News
AP Investigation: UN Staff in Yemen Involved in Aid Fraud
UN Investigates Staffers for Corruption in Yemen – VOA
The National – Interview with Shai Al-Zindani (2025)
قانون الخدمة المدنية اليمني – المادة (24)
الدستور اليمني – المادة (25)
قانون مكافحة الفساد – القرار الجمهوري 39/2006
قانون السلك الدبلوماسي اليمني – رقم 2 لسنة 1991
تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة (2024)