أنـا غـزة / بقـلم المتألقة دوما/ سهام الشرعبي / اليمن

أنا غزّة، أسماني أبي لحبّه الأبدي
لأرضه الطيبة الطاهرة.
بينما كنت أختبئ أنا وعائلتي خلف ركام المنزل،
ونتلو آياتٍ من الذكر الحكيم
علّها تحميني من شظايا الانفجارات،
سمعتُ انفجار هاتف والدي بمكالمةٍ غير معروفة،
ورقمٍ مجهول الهوية.
أصابتني طلقةُ الذعر لتلك المكالمة،
وأنهكت ضعفي كلُّ التساؤلات.
فتح أبي فإذا بصاعقةٍ قنبلةٍ صوتيّة،
وتلقّى بصوتٍ مبحوح: “ألو”.
تلقّى صافرات الإنذار اللعينة،
ومحتواها: “الآآآآت…”
25 دقيقة،
يبدأ توقيتها من هذه اللحظة، وهذه الدقيقة، بل وهذه الثانية.
ليس لطفًا، بل عنفًا، ستُخلي هذا المنزل،
وإلا سيتمّ تدميره بالكامل،
وتم تجهيز الآلات…
أقفل أبي خط الهاتف،
وعيناه تبوحان بالوجع،
وفيهما قنبلة موقوتة من دموع الحسرة والانهيارات.
نهض والدي جسدًا دون روح،
وانتشل أشلاءه من ركام الأنقاض،
بصوتٍ منكسر:
“لا وقت لدينا، هيا انهضوا، لملموا هذا الشتات!”
هيا، سنُخلي المنزل.
لن نأخذ شيئًا من بين الركام.
استجمعنا قوانا دون قوّة،
وقف الجميع باكيًا، مذعورًا.
لم نقتنِ شيئًا من ممتلكاتنا البسيطة والمنهكة البقايا.
“هيا استعجلوا، الوقت يداهم الصدمة،
والموقف ينزف، لا وقت لدينا،
هيا… هيااا… هياااااا!”
رباه، إلى أين المفر؟ وإلى أين النجاة؟
وقف الجميع على أطلال الركام والحطام مودّعًا،
اقتنينَا الذكريات.
كلّ واحدٍ منّا أخذ ذكرياته في جعبته،
عِشنا الدفء الذي كان يحتضن الوجع،
ويضمّد الشتات.
لم نأخذ شيئًا سوى الذكريات،
وبدأنا نمتطي درج الوداع،
ونعزف لحن الضياع،
ومن صدمة الموقف لم نستفق من السبات.
وصلنا فوهة المنزل،
خرجنا من جنّة الدنيا، منزلنا الآمن،
وكانت الدموع تغرق أثاث الركام.
خطواتنا الأولى خارج المنزل،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ توقف المدى.
دوّى الانفجار.
قُصف المنزل… مات الجميع!
يااااااااا أسفي…
أمّااااااه… أبتي… إخوتي… لااااااااااا!
استشهدوا جميعًا، والبسمة ترتسم على شفاههم،
كأنهم يقولون:
“الحمد لله الذي أنعم علينا بالشهادة،
دون أن نبرح أرضنا… يا لطيب هذا الممات.”
ومن نظرةٍ عن بعد،
رأيتُ صهاينةً ملعونين ينتظرون خروج عائلتي،
كي يستمتعوا بالمشهد الإجرامي،
مستمتعين بدمائنا التي يقتاتون عليها.
نهضتُ مرتاعًا، وبيدي حجر،
رميتُ به ذلك الصهيوني المحتل…
آآآآآآه…
لقد سبقت طلقةُ بنادقهم اللعينة ذلك الحجر.
قلتُ بصوتٍ كدت أن ألفظ فيه أنفاسي الأخيرة:
“الحمد لله الذي لم يُطعمني الله حياةً دونكم…
أشهد أن لا إله إلا الله…
ومحمد رسول الله.”
ـــــــــــــــ
✍️ سهام الشرعبي