فيس وتويتر

حسام السيسي يكتب:الحاكم بين وهم “صاحب المنح” ووظيفته الدستورية

منذ عقود، لم تعد الصحافة العربية تُمارس وظيفتها بوصفها سلطة رابعة تراقب وتحاسب، بل صارت منبرًا لتكريس صورة الحاكم باعتباره “صاحب المنح والعطايا”، المانح الوحيد للفرص، والمكرمات.
هذا الخطاب الممجِّد، الذي يملأ الشاشات والصحف، انقلب بالوعي الجمعي رأسًا على عقب: الحاكم لم يعد موظفًا عامًا مكلَّفًا بإدارة شؤون البلاد في إطار دستوري يخضع للمساءلة، بل صار هو “المُنعم”، فيما تحوّل الشعب إلى رعية تنتظر العطاء.
هذه المفارقة تتضح أكثر حين نقارنها بمشهد من العرض
العسكري الصيني الأخير، حيث يردّد الجنود وراء الرئيس: “نحن في خدمة الشعب”. العبارة ليست وليدة قرار فردي، بل جزء من بروتوكول دولة شمولية، لكنها تحمل رمزية أن الجيش، نظريًا على الأقل، يعلن انتماءه للشعب لا للحاكم.
أما عندنا، فقد صاغ الإعلام خطابًا يجعل الشعب في خدمة الحاكم، بل في خدمته المطلقة.
هذا الانقلاب في وظيفة الصحافة لم يكن بريئًا؛ فقد ترافق مع عملية خنق ممنهج للساحة السياسية:
تصفية النخب بالاعتقال أو التشويه أو النفي.
تجفيف العمل الجمعوي والحزبي،
تعميم ثقافة الولاء والخوف، ليُترك المجال العام فارغًا إلا من “الرويبضة” الذين يُستقدَمون لتجميل مشهد السلطة.
هكذا تآكلت مقومات النهضة: تحوّل المواطن إلى متلقٍ للمنح لا إلى صاحب حق، والحاكم إلى “مُنعم” لا إلى “مُحاسب”.
لكن التاريخ يعلّمنا أن هذه الصيغة هشة مهما بدت متماسكة. فهي تنهار عند أول أزمة اقتصادية، أو تحت ضغط التحولات الدولية، أو حين تنهض لحظة وعي جماعي تُذكّر بالمعنى الأصلي للسلطة: خدمة الناس، لا استعبادهم.
يبقى السؤال مفتوحًا
هل يستطيع العرب استعادة لحظة وعي تؤكد أن الحاكم ليس قدرًا منزّلًا، بل موظفًا مكلَّفًا، وأن الأمة ليست رعية تطلب العطاء، بل شعب يفرض الرقابة والمحاسبة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى