رؤي ومقالات

د.فيروزالولي تكتب :المزعوج من الحقيقة… يُنظّف لا يُهدّد!

في زمنٍ تحوّلت فيه الوزارات إلى “مزارع أسرية”، وصار المنصب العام ملكًا خاصًا تتوارثه العائلات كما يتوارث الناس “جهاز العروسة”، من الطبيعي أن تثير المقالات الموثقة حالة من الهلع والارتباك لدى البعض.

نعم، نحن نكتب… نفضح… نُوثّق.
لأن الكتابة هي آخر ما تبقّى في بلد اختُطفت فيه المؤسسات، وبيعت فيه المناصب كما تُباع بطاطا “سوق الملح”.

لكن المفاجأة ليست في الوثائق، بل في ردود الفعل منها.

فإذا كنت مستاءً من منشوراتي ومقالاتي، وخاصة تلك التي تزعجك لأنها موثقة، فببساطة: نَظِّف.
نظّف وزارتك، مكتبك، تعييناتك، وحساباتك.
نظّفها من المحسوبية، من الأقارب، من نَسَب العائلة في كشف الرواتب.

وإن لم تستطع، فدع غيرك يُنظّف.
أو على الأقل… استقلّ بكرامة

تذكير لمن وعد…

يا معالي وزير الخارجية شائع الزنداني،
أتتذكّر حين التقيتك في سفارة اليمن بالرياض؟
قلتَ لي يومها بالحرف:

“أنا أنظّف الوزارة خطوة خطوة، وأُبعد من فيها دبابير، لكن بحنكة… علشان ما يلسعوني!”

فقلتُ لك وقتها، وبكل وضوح:

نحن ظهرك، ما دام نيتك صادقة، وهدفك أن تعيد للوزارة والسفارات هيبتها… مثل سفارات دول الخليج.”

واليوم، وبعد مرور الوقت، نسأل:
هل فعلاً بدأت حملة التنظيف؟
أم أن “الدبابير” ما زالت تتغذّى على المال العام، وتتنقّل من سفارة إلى سفارة، بينما الكفاءات تُهمّش وتصمت؟

فساد بالتقسيط المريح

حين تتحوّل الوزارة إلى “ورشة توظيف أبناء”، لا تلوم من يكتب، بل من وَقَّع قرارات التعيين، ومن أمضى الأوامر المخالفة للقانون.

أمثلة موثقة:

تقرير منصة “اليمن شاب نت”: كشف عن توظيفات مشبوهة في السفارات الخارجية بمئات الآلاف من الدولارات.
موقع وزارة الخارجية اليمنية الرسمي: نشر قوائم تعيينات تشوبها المحسوبية والعبث الإداري.
قانون الخدمة المدنية اليمني رقم 19 لسنة 1991 (المعدل): يشترط “الجدارة والتنافس” في التعيين، لا درجة القرابة.
قانون مكافحة الفساد رقم 39 لسنة 2006: يُجرّم “استغلال الوظيفة العامة لتحقيق منافع شخصية أو لأقارب الدرجة الأولى”.

لكن… أين القانون؟
وأين الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد؟

الهيئة في غيبوبة… والفساد يرقص في العلن.

الوثائق تُزعج الفاسد… لأنها صحيحة!

المشكلة ليست في وجود الفساد… بل في انفضاحه.
بعض المسؤولين لا يُزعجه أن النظام الإداري متعفن، بل يُزعجه أن أحدًا يكتب عنه.

لا يريدون محاربة الفساد، بل محاربة من يكشفه.

أحدهم قال لي مرة:

“منشوراتك تثير البلبلة وتحرض!”

وأنا أقول:

“كلا، الفساد هو البلبلة… والمنشورات مرآة له فقط.”

وإذا كانت الحقيقة تُسبب لك الصداع، فجرّب أن تنظّف رأسك من الأكاذيب…
قبل أن تنظّف “تويتر” و”فيسبوك” من صوتنا.

نحن لا نكتب لنعجبكم… بل لنكسر الصمت

نحن لا نكتب طمعًا بمنصب.
ولا نوثّق بحثًا عن شعبية.
نحن نكتب لأن السكوت جريمة، ولأن الوطن لا يُبنى بـ”الدفاتر المغلقة”، ولا تُصلح الدول بـ”الوزارات الملوّثة”.

خاتمة: إذا أزعجتك الوثائق… لا تمزّق الورق

بل امسح الأوساخ.
وإن لم تقدر… فلا تكن جزءًا منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى