حسام السيسي يكتب :جنون الإقليم واستجداء السلام: مشهد بلا مثيل

أكتب هذه الكلمات وأنا أتابع حالة الجنون التي يعيشها الإقليم، جنون لا مثيل له منذ عقود. الجميع يستجدي السلام، لكن السلام يبدو أبعد من أي وقت مضى. مشهد مشوّه تتصدره إسرائيل وهي تضرب هنا وهناك، وكأنها تحيا في معادلة مفتوحة بلا محاسبة، في ظل أهداف استراتيجية واضحة قد تفوق أي رغبة في التسوية التقليدية.
بين غزة ولبنان وسوريا، تضرب إسرائيل وتختبر حدود القوة بلا توقف. تحاول أن تُصدّر صورة القوة التي لا تُقهر، بينما السلام الذي يستجديه الآخرون يبقى هشًا بلا صدى فعلي. الواقع يوضح أن الأمن لا يمكن أن يُفرض بالقوة وحدها، بل عبر موازنة دقيقة للقدرات والخيارات الاستراتيجية.
تُظهر الأزمة الأوكرانية كيف يوظّف الغرب مفهوم الأمن الجماعي بصورة انتقائية.
مجرد الإعلان عن اختراق مسيّرات روسية لأجواء بولندا، الدولة العضو في الناتو، أثار ضجة كبيرة واستنفارًا أمنيًا كاملًا، كاختبار لمصداقية المادة الخامسة من ميثاق الحلف.
بالمقابل، لا يُنظر إلى القصف الإسرائيلي المتكرر لغزة أو جنوب لبنان أو سوريا باعتباره تهديدًا مماثلًا للأمن الإقليمي أو الدولي.
هذا التناقض يكشف حدود النظام الدولي: أمن يصاغ على مقاس الحلفاء، وصمت مطبق حين يكون المعتدي جزءًا من شبكة مصالح أكبر.
الأخطر أن الحديث عن “عملية سلام” ما زال يتكرر كمسار واقعي، بينما الوقائع على الأرض تقول العكس: الدوحة، عاصمة المفاوضات، لم تسلم من القصف؛ وصنعاء، في دلالة رمزية على هشاشة الإقليم بأكمله.
في ظل هذه الوقائع، يصبح استجداء السلام بلا معنى عملي، إذ لا يمكن أن يقوم أي مسار تفاوضي في ظل قصف مستمر، بينما تبقى الإرادة الفعلية للطرف الأقوى هي المحدد الحقيقي لمصير أي تهدئة.
هذا المشهد يوضح أن المنطقة اليوم لا تملك سوى خيار واحد: استجداء السلام. ومع ذلك، هذا الاستجداء هشّ؛ لأنه رهين إرادة الطرف الأقوى، الذي يحدد سقف أي تسوية.
وماذا لو قررت هذه القوة أن السلام المزعوم لم يعد يخدم مصالحها؟ ببساطة، تُطوى الطاولة، وتُفتح أبواب حرب جديدة، بينما تبقى العواصم العربية في موقع المتلقي للعنف، لا صانع القرار.
إنه سلام قائم على هشاشة الإرادة العربية، وليس على توازن القوى، ما يجعل المستقبل الإقليمي أكثر خطورة من أي وقت مضى.
أقف أمام هذا المشهد وأتساءل: كيف يمكن لأي استقرار أن يتحقق في إقليم بلا توازن، بلا أدوات ردع، وبلا موقف عربي موحد؟
أحلم بيوم تستطيع فيه الدول العربية حماية مصالح شعوبها، وإعادة بناء مصطلح السلام على أسس القوة المتوازنة، والوعي الجماعي، والمصداقية في المفاوضات، بعيدًا عن استجداء هش رهين لإرادة الآخرين الأقوى.