التوازن بين الامومة وتحقيق الذات…..بقلم دعاء الصالح

التوازن بين الأمومة وتحقيق الذات
يبقى التوازن بين الأمومة وتحقيق الذات من أعقد القضايا التي تواجه المرأة في حياتها اليومية. أنا شخصيًا أرى أن الأمومة ليست مجرد دور بيولوجي أو واجب اجتماعي، بل هي رسالة عظيمة تحمل في داخلها معنى العطاء المطلق. وفي الوقت ذاته، لا أستطيع أن أنكر أن كل امرأة بداخلها إنسانة تحمل أحلامًا وطموحات، وترغب أن ترى نفسها كفرد مستقل ينجز ويحقق. هنا يبدأ الصراع: كيف يمكن للمرأة أن تمنح وتربي وتُعطي بلا حدود، وفي الوقت نفسه تبقى متصالحة مع ذاتها وأحلامها؟
أعتقد أن الإجابة تبدأ من وعي المرأة بمراحل حياتها. في العشرينات، تبدو الطاقة في ذروتها، والفرص مفتوحة على مصراعيها. هذه المرحلة، من وجهة نظري، هي الوقت المثالي لتجربة الحياة، وللاستثمار في الذات، وللركض خلف الأحلام. فهي ليست مجرد سنوات عابرة، بل هي أساس متين تستند إليه المرأة حين تنتقل إلى المرحلة التالية من حياتها.
أما الثلاثينات، فهي مرحلة مختلفة كليًا. حين تدخل المرأة هذه المرحلة وقد أنجزت شيئًا من ذاتها، فإنها تعيش الأمومة من موقع أكثر قوة وطمأنينة. لا تشعر حينها أنها خسرت أحلامها، بل تشعر أنها اختارت أن تمنح أبناءها حبًا ورعاية نابعين من رضا داخلي. وهنا يكمن الفارق النفسي الكبير: الأم التي عاشت تجربتها وهي مطمئنة إلى أنها لم تُهمل نفسها، تكون أكثر قدرة على العطاء، وأقل عرضة للشعور بالحرمان أو الغضب.
ومن خلال ما رأيته من المتغيرات الزمانية في هذا العصر، أجد أن المرأة أصبحت مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى الإنجاز وتحقيق ذاتها، لأن الزمن يفرض إيقاعًا سريعًا ويمنح فرصًا لم تكن متاحة من قبل. وقد لاحظت أيضًا من خلال مشاهدتي لتجارب العديد من صديقاتي الكنديات أنهن يخضن تجربة الأمومة بكامل الرضا بعد أن قطعن شوطًا في تحقيق ذواتهن. هذا لا يعني أبدًا أن جميع النساء يجب أن يمررن بالتسلسل نفسه؛ فهناك فئة أخرى سعيدة وراضية بأمومتها منذ بداية حياتها، وتعيش تجربة مكتملة بلا شعور بالنقص.
إذن، التوازن النفسي ليس قالبًا واحدًا يناسب الجميع، بل هو خيار شخصي ينبع من وعي المرأة بذاتها وبما يجعلها في حالة رضا داخلي. المهم أن لا تعيش المرأة في صراع دائم بين ما فقدته وما كان يمكن أن تحققه، بل أن تعيش حاضرها بسلام، أياً كان الطريق الذي اختارته.