حسام السيسي يكتب :بين الطموح الأمريكي وواقع الأرض: مآلات المشاريع العابرة

أكتب هذا التحليل انطلاقًا من تقديري العميق للشعب السوري المقاوم، الذي أثبت عبر تاريخه الحديث قدرته على الصمود أمام أعنف التحديات، وأظهر أن إرادة الشعوب غالبًا ما تتجاوز أي مشروع خارجي مهما بلغت قوته.
في النقاش الدائر حول مستقبل الرئيس أحمد الشرع، يرى بعض المحللين أنه قد يبقى في السلطة لفترة طويلة تتجاوز السبع سنوات، مستندين إلى توافق دولي ورضا إقليمي يضعه في قلب مشروع عربي–أمريكي يمتد حتى عام 2035، ابتداءً من 08.12.2024. وفق هذا الطرح، فإن غياب الشرع لأي سبب قهري، كالموت أو المرض، لن يوقف المسار، إذ إن الترتيبات أوسع من أي شخصية واحدة، وهناك بديل “سني قوي” جاهز لمواصلة المشروع. هذه القراءة تفترض أن بقاء الشرع ليس مسألة ظرفية أو محلية فحسب، بل نتاج اصطفاف مصالح إقليمية ودولية تدفعه إلى الواجهة في المحافل الدولية المقبلة.
إلا أن قراءة أخرى، أكثر واقعية واستراتيجية، ترى أن هذه التوقعات أقرب إلى أمنيات مبالغ فيها. الولايات المتحدة ليست قدرًا محتومًا، ومشاريعها في منطقتنا غالبًا ما تبدأ بضجيج إعلامي وضخامة سياسية، لكنها سرعان ما تتعثر أو تنهار. من فيتنام إلى أفغانستان، ومن العراق إلى محاولات إعادة هندسة الشرق الأوسط، تتكرر الصورة ذاتها: اندفاع أمريكي ضخم، خسائر متراكمة، انسحاب مرتبك، ونتائج معاكسة للأهداف المعلنة. هذه القراءة تؤكد أن الولايات المتحدة تعيش مرحلة أفول استراتيجي، مع تراجع فعالية أدواتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية، ما يجعل أي مشروع جديد يُنسب إليها محمّلًا منذ البداية ببذور ضعفه.
بين الطرحين، يبدو الطرح الأول مرتكزًا على القوة الظاهرة والتوافق الدولي، لكنه يفترض أن الترتيبات صلبة ومحصّنة ضد الانهيار. أما الطرح الثاني فيعتمد على قراءة تاريخية واستراتيجية لمسار المشاريع الأمريكية، ويراهن على أن الواقع على الأرض سينهزم أمام الطموحات الخارجية. ومن وجهة نظري، الطرح الثاني أقرب إلى المنطق، لأن التاريخ الحديث والبعيد يؤكد أن أي مشروع أمريكي لا يصمد طويلًا أمام التناقضات الداخلية، التحولات الجيوسياسية المتسارعة، وضغط الشعوب التي أثبتت مرارًا أنها ليست مجرد أوراق تُحركها قوى خارجية.
صحيح أن التوافقات الدولية قد تمنح الشرع وقتًا إضافيًا في السلطة، لكنها لا تجعل بقاءه حتميًا أو مؤبدًا. الواقع الاستراتيجي يشير إلى عالم سريع التغير، قوة أمريكية متراجعة، وشعوب أثبتت أن مقاومتها وحدها قادرة على قلب المعادلات، مهما بدا النفوذ الخارجي ضخمًا في البداية.
في نهاية المطاف، درس التاريخ السوري والمعطيات الإقليمية يوضح أن الطموحات الأمريكية، مهما كانت معلنة وكبيرة، غالبًا ما تصطدم بواقع الأرض. مآلات المشاريع العابرة تعتمد على قدرة الشعوب على الصمود، لا على قوة الخارج أو ضجيجه الإعلامي، وهو درس يمتد عبر الزمن لكل من يعتقد أن النفوذ الأمريكي حتمي أو مطلق.