حمزه الحسن يكتب : من كان نائماً: الكلب أم التاريخ؟

ليس التاريخ دائماً نتاج حتميات وتسلسل حوادث أو منطق بل تصنعه نزوات وحماقات ومصادفات وأهواء ورغبات،
عادة يبحث المؤرخون في السجلات والوثائق عن شهود كبار وقادة وزعماء ومسؤولين لكنهم يتجاهلون الزوايا المعتمة وشهادة المهمشين والظلال الخفية التي تصنع الحدث الكبير ،
ومن هنا يتقاطع الخطاب السردي الروائي مع خطاب المؤرخ والسياسي ، لأن سردية الروائي تبحث في الظلال الخفية ، في الأماكن المعتمة، في التقاط المنسي والمهمل والمبعد من الشهادة. بتعبير أدق : التاريخ من الأسفل وليس من الأعلى.
خلال الاعداد لكتابة روايتنا” حقول الخاتون” عثرت على رسالة من من مس بيل أو غیرترود لوثیان بیل يوم كانت مس بيل أو الخاتون صانعة الملوك كما لقبها العراقيون وصانعة مملكة تقوم برسم حدود العراق الصحراوية كان كلبها نائماً،
كما في رسالة فرح منها الى والدها:
” إنتهيت تواً من ترسم حدود العراق الصحراوية وكان كلبي نائماً. ياللفرح”.
كل تاريخنا بعد تلك اللحظة وما نجم عنه من احداث كان اغفاءة كلب.
في الحقيقة زرعت لغماً سينفجر على شكل غزو عام 1990 ثم حصار واحتلال وخراب اليوم.
نحن لا نقرأ التاريخ لذلك نكرره وهم يعرفون أننا لا نقرأ ويعيدون الخطط القديمة بجرار جديدة.
التاريخ عندنا يبدأ من الحدث الأخير، آخر انفجار، اخر ارتفاع سعر العملة، اخر مباراة كرة القدم، اخر سرقة….الخ بلا تسلسل ولا سياق ولا أسباب.
الفرنسيون اكثر فكاهة من الانكليز عند ترسيم حدود الجزائر والمغرب عندما اطلقوا زوج بغال وعند وقوفها اعتبرت الحد الفاصل،
والمعبر الحدودي بين البلدين حتى اليوم يسمى:” زوج بغال”،
والمشكلة نفسها، أو اللغم.
لا يبحث المؤرخون في هذه التفاصيل بل في السجلات الرسمية كوثائق دامغة مع ان الشيطان في التفاصيل.
يبحثون في التاريخ من أعلى في حين التاريخ من أسفل History from Below ، شهادات الجنود، ربات البيوت، الحراس، السجناء، الخدم، السواق، الباعة الخ،
ومن هنا الخلاف الجوهري بين السردية الرسمية والسردية الروائية.
لم يستغرق ترسيم الحدود وقتا اكثر من اغفاءة كلب.
عندما ماتت جيرترود بيل الجاسوسة خريجة اكسفورد رفيقة لورنس العرب في الجزيرة العربية ومصر الى جانب تشرشل،
في شبهة انتحار بسبب كآبة حادة وعثروا على جرعة زائدة من الحبوب المنومة على طاولتها،
عثروا على وصية لها توصي بكلبها وليس بالدولة التي أسستها حسب مزاج بريطاني ودفنت في مقبرة كنيسة الارمن في ساحة الطيران.
اذا كان كلب الخاتون نائماً سنوات العشرينات، فمن كان نائماً مطلع القرن الواحد والعشرين 2003؟
لماذا لم يمت حارس السلالة، الدكتاتور، بل صار مؤسسة جديدة؟
ولماذا ولد الذئب؟