د.فيروزالولي تكتب :تعز بين “رشة البهار” و”صفر التأثير”: النخبة التي حضرت في الصورة وغابت عن القرار

رغم أن محافظة تعز تُعد من أكثر المحافظات اليمنية ثقلًا من حيث التعداد السكاني والحضور الثقافي والسياسي، إلا أن هذا الثقل لم يُترجم إلى تأثير فعلي داخل مؤسسات الدولة أو مخرجات العملية السياسية.
ففي الوقت الذي وصل فيه بعض أبناء تعز إلى مواقع عليا في الدولة — من رئاسة المجلس الرئاسي إلى رئاسة البرلمان ووزارات سيادية وسفارات — لا تزال تعز محاصرة، مهمشة، مغيّبة عن طاولة القرار، ومحرومة من الخدمات الأساسية، دون أن يظهر لهؤلاء أثر يُذكر.
هذه المفارقة تسلّط الضوء على حالة من التمثيل العددي بلا قيمة سياسية، أو كما وصفها أحد الكتّاب: “رشة بهار على مائدة بلا طعم”.
من المناصب العليا إلى “صفر التأثير”
رغم وجود أسماء بارزة من تعز في السلطة، مثل:
الاسم المنصب الحالي/السابق
د. رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي
سلطان البركاني رئيس مجلس النواب
عبدالملك المخلافي وزير خارجية أسبق، مستشار رئاسي
عشرات الوزراء والسفراء يمثلون اليمن في الداخل والخارج
إلا أن الأداء السياسي والخدمي لهؤلاء لم ينعكس بأي شكل ملموس على الوضع في تعز.
لا مشاريع تنموية، لا فك للحصار، لا إصلاح في البنية التحتية، ولا حتى موقف موحد يُعبّر عن المدينة في ظل التسويات الجارية.
تقرير Freedom House (2025)
أشار إلى أن اليمن لا يزال يُصنف كـ”غير حر” في الحقوق السياسية والمشاركة المدنية، وأن المناطق التي تعاني من ضعف في تمثيلها المحلي (مثل تعز) تدفع ثمن الانقسامات أكثر من غيرها.
الفيدرالية: أمل مخذول أم تهديد مؤجل؟
في وثائق مؤتمر الحوار الوطني، طُرحت الفيدرالية كحل للصراع اليمني، وتحديدًا عبر مشروع تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم. غير أن هذا النموذج واجه انتقادات حادة، خاصة من أبناء تعز والمناطق الوسطى.
وفقًا لتحليل صادر عن Atlantic Council بعنوان:
> “The Challenge of Federalism in Yemen”
فإن المقترح الفيدرالي المقدم لا يمنح تعز ولا إقليم الجند أي مزايا تضمن التوزيع العادل للسلطة أو الثروة، مقارنة بإقليمي الجنوب أو سبأ.
ويشير التقرير إلى أن الخوف من الفيدرالية في تعز ليس مجرد رفض للتقسيم، بل ناتج عن غياب الضمانات الكافية، وتهميش واضح في بنية الإقليم المقترح.
كما أوردت ورقة قانونية منشورة في Utrecht Journal of International and European Law:
ان الانتقال من النظام المركزي إلى الفيدرالي في اليمن يحتاج إلى شروط صعبة:
نظام توزيع مالي عادل
مؤسسات محلية قوية
وضمانات لتمثيل جميع المناطق — ومنها الوسطى — بشكل حقيقي
نخب في جيوب الأحزاب: الولاء لمن يدفع أكثر
من أبرز الإشكاليات التي يعاني منها الواقع السياسي في تعز هو تفكك النخبة بين القوى المتصارعة:
قسم محسوب على حزب الإصلاح
قسم آخر على المؤتمر الشعبي
آخرون على المجلس الرئاسي
وبعضهم يتقاطع حتى مع الحوثيين من خلال مواقف رمادية أو مصالح مشتركة
هذه التبعية السياسية حوّلت نخب تعز إلى أوراق تستخدمها الأحزاب المركزية، بدل أن تكون صوتًا حرًّا للمحافظة.
كما وصفهم احد الكاتب في مقاله النقدي الأخير:
“رشة هنا، رشة هناك، بلا تركيبة تذوقية تذكر”
المقارنة التي توجع: ماذا فعلت حضرموت ولم تفعله تعز؟
تجربة حضرموت تقدّم درسًا عمليًا. فبخلاف تعز، استطاعت نخب حضرموت أن:
تطالب بإقليم مستقل ضمن الفيدرالية
تدير مواردها المحلية (جزئيًا)
تبني خطابًا سياسيًا موحدًا
تُجبر جميع الأطراف على احترام خصوصيتها ومطالبها
بينما بقيت تعز رهينة تفككها، وخضوع نخبها لأجندات غير محلية.
التوصيات: كيف تستعيد تعز صوتها؟
1. محاسبة النخب المقصّرة: يجب أن تخضع الشخصيات السياسية من أبناء تعز للمساءلة الشعبية: ماذا قدمتم لتعز؟ أين دوركم في فك الحصار؟ أين المشاريع؟ وأين مواقفكم التفاوضية؟
2. تشكيل كيان سياسي مستقل للمحافظة: لا تابع لأي حزب، يحمل رؤية سياسية واضحة، ويمثّل تعز في المشهد التفاوضي القادم.
3. استلهام تجربة حضرموت دون تقليدها: تعز تحتاج رؤية تعكس تركيبتها الثقافية والمناطقية، وتحميها من الذوبان في مشاريع غير واضحة.
4. تحديد موقف واضح من الفيدرالية: ليس بالرفض ولا بالقبول المطلق، بل بالمطالبة بنموذج عادل يراعي مصالح المحافظة ويحفظ صوتها.
خاتمة
تعز اليوم لا تحتاج إلى مزيد من التمثيل الشكلي، بل إلى مشروع سياسي حقيقي. فالأسماء الكبيرة التي وصلت إلى القمة لم تصنع شيئًا لأرضها، وإن بقيت الأمور على ما هي عليه، فستتحول هذه النخب إلى رموز للخذلان، لا للإنجاز.
> صوت تعز لن يُسمع طالما يخرج من أفواه تُجامل مراكز النفوذ، ولا تجرؤ على قول الحقيقة.