فيس وتويتر

حسام السيسي يكتب :رهانات مزدوجة: التحالف السعودي–الباكستاني يكشف غياب مشروع استراتيجي عربي

لم يكن خبر توقيع ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الباكستاني اتفاقية دفاع استراتيجي مشترك، كما بثّته وكالة الأنباء السعودية (واس)، مجرد سطر عابر في نشرة رسمية. بالنسبة لي، بدا كنافذة على حجم التغيّرات في خرائط الأمن بالمنطقة، وعلى الفراغ العربي الذي يتسع يومًا بعد آخر.
منذ عقود، ظلّت فكرة “التكامل العربي” تُستحضر في البيانات أكثر مما تتجسّد على الأرض. وكلما أُطلقت مبادرة للتنسيق الدفاعي أو صياغة عقيدة أمن قومي عربي، انتهت إما إلى خلافات داخلية أو بيانات إنشائية لا تُلزم أحدًا. اليوم، لم تعد السعودية، باعتبارها الدولة الأكبر في الخليج، تراهن على هذا الإطار. الاتفاق مع باكستان ليس مجرد تبادل خبرات عسكرية أو تدريبات مشتركة، بل هو تعبير عن فقدان الثقة في أي مظلة عربية جماعية، وعن إدراك أن الأمن بات يُبنى عبر تحالفات انتقائية تتجاوز حدود الجغرافيا العربية نفسها.
في ظل هذه التحولات، تصبح كل خطوة سعودية–باكستانية مرآة لعلاقات القوى الكبرى في المنطقة.
الولايات المتحدة تضغط على باكستان للحد من ارتهانها للصين، لكن إسلام آباد بحاجة إلى متنفس اقتصادي وأمني لا يوفره الغرب. هنا يأتي المال السعودي مقابل الخبرة العسكرية الباكستانية.
إيران تراقب المشهد باعتباره مؤشرًا على أن السعودية تتحرك خارج الإطار الأمريكي التقليدي، لكن أيضًا بعيدًا عن أي توافق عربي يمكن أن يشكّل جبهة موحّدة في وجهها.
ما يكشفه الاتفاق إذن ليس فقط تنويع الخيارات الاستراتيجية للرياض، بل أيضًا اعتراف صامت بانسداد الأفق العربي. فبدلًا من أن يكون الأمن القومي العربي حقيقة جغرافية وسياسية، صار مجرّد شعار يُستدعى في القمم ويُهمَل عند صياغة التحالفات الفعلية.
هذه الاتفاقية تحمل رسائل مزدوجة: إلى واشنطن بأن السعودية لم تعد تقبل الارتهان الكامل، وإلى العواصم العربية بأن زمن الانتظار خلف “تكامل عربي” غائب قد انتهى. وبين هذين الخطين، تظل الحقيقة المؤلمة أن الفراغ العربي في مجال الأمن الجماعي يملؤه الآخرون: تارة تحالف ثنائي مع باكستان، وتارة شراكات مع قوى إقليمية غير عربية، بينما يظل الخطاب الرسمي عن “وحدة المصير” حبيس أوراق المؤتمرات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى