قراءة استنطاقية للشاعر والناقدالسوري القدير خلف ابراهيم

#قراءة #استنطاقية #عميقة #لنص #حين #يتَهجَّى #الجسد #مجازه
#النص
#حِينَ يَتَهَجَّى الجَسَدُ مَجَازَهُ
وَيَغْدُو الصَّمْتُ مِرْآةً #لِلاِحْتِرَاقِ:
اشْتِعالُ السُّكُوتِ
أُلامِسُ ما لا يُرى
نُقْطَةَ الضَّوْءِ الَّتي تَخْتَبِئُ
تَحْتَ سَطْرِ الغَوايَةِ
تَنْبِضُ بي كَأَنِّي أَتَهَجَّى
أَلْفَ أُنْثى تَنْبَثِقُ مِن ظِلِّي
أَتَحَسَّسُنِي
نَبْضاً يَنْسَلُّ مِن مَسَامِّ الرَّعْشَةِ
كَأَنَّ الجِلْدَ يُزْهِرُ بِالشَّهْقَةِ
حينَ تَهْبِطُ الحَوَاسُّ بِلا إِذْنٍ
عَلى فُسَيْفِسَاءِ الغِيابِ
يا جُوعَ المَدَى
يا عُرْيَ المَجازِ
يا رَغْبَةً تَتَقَمَّصُ نُبُوءَةَ السُّكُوتِ
أُطِلُّ مِنِّي عَلَيَّ
فَأَصِيرُ مِرْآةً
لِجُرْحِي المُتَوَرِّدِ في نَدَى الذِّكْرَى
عَرَّيْتُ صَبْرِي مِن كِبْرِياءِ الحَذَرِ
أَزَحْتُ سَتَائِرَ الخَفَرِ عَنْ نَفْسِي
وَارْتَجَفْتُ
لا خَوْفاً
بَلْ لِأَنَّنِي أَصْغَيْتُ أَخِيراً
لِجُنُونِي المُبَجَّلِ
تَفُورُ بي نِيرَانٌ لَمْ أُسَمِّهَا
تَضِيقُ اللُّغَةُ
تَتَّسِعُ النُّقْطَةُ
أَسْتَحِيلُ ضَوْءاً يَغْرَقُ في ضَوْءٍ
كَأَنِّي وُلِدْتُ مِنِ احْتِرَاقِ الرَّغْبَةِ
بِوَجْهِهَا الغَامِضِ
هاتِي الغِيَابَ
لِأَكْتُبَهُ عَلى جِلْدِي
هاتِي التَّنْهِيدَةَ
أُعَلِّقُهَا قُرْبَ نُقْطَةِ انْفِجَارِي
سَأَجْمَعُنِي مِنِّي
كَأَنِّي أَخْلُقُنِي مِن جُمْرِ ما لَمْ أُقَلْ
#مرشدة #جاويش
#القراءة
في عالم الشعر حيث تتشابك الكلمات لتنسج تجارب إنسانية معقدة، تأتي الشاعرة مرشدة جاويش لتقديم نص يفتح أبواب الغموض والعمق. \حين يتَهجَّى الجسد مجازه \ ليس مجرد نص شعري بل هو رحلة داخل الذات تجربة تتجاوزالحدود المألوفة لتغوص في أعماق الروح والجسد. في هذا النص تتجلى قدرة الشاعرة على استكشاف القضايا الوجودية التي تلاحق الإنسان مثل الهوية، الغياب، والرغبة، مما يجعلنا نشعر بوجوده في قلب المعاناة والبحث عن المعنى.
\جماليات النص\
تتسم قصائد د. مرشدة بقدرتها الفائقة على تصوير الصراعات الداخلية بلغة غنية وملهمة. تُستخدم الصور الشعرية لتجسيد مشاعر معقدة تتعلق بالوجود. على سبيل المثال في الجملة \أُلامِسُ ما لا يُرى\ نجد دعوة قوية لاكتشاف ما وراء الظاهر، مما يعكس رغبة الإنسان العميقة في فهم نفسه وعالمه المعقد. هنا، تُظهر مرشدة كيف يمكن أن تكون الكلمات وسيلة للتعبير عن مشاعر غير مرئية، مما يعزز من عمق النص.
\ ثيمة الغياب \
تتكرر ثيمة الغياب بشكل لافت، حيث يمثل تجربة مؤلمة تعكس شعور الوحدة والافتقاد. هذا الغياب لا يُعتبر مجرد نقص، بل يتحول إلى مصدر إلهام ودافع للتغيير. في قولها \أصير مرآةً لجُرحي المتورد\ نجد عمق الصراع الداخلي بين الألم والرغبة في الشفاء، مما يجعلنا نتفاعل عاطفيًا مع النص. تُظهر الشاعرة كيف أن الغياب يساهم في تشكيل الهوية، مما يعكس الفكرة الفلسفية القائلة بأن الألم يمكن أن يكون جزءًا من النمو الشخصي.
\ اللغة والتراكيب\
تتميز اللغة المستخدمة في النص بالغنى والعمق، مما يضفي طابعًا دراميًا على التجربة الشعرية. المفردات المختارة بعناية، مثل \احتراق\ \جنون\ و\نقطة الانفجار\ تعزز من إحساس القارئ بالتوتر والحيوية. كما أن التنوع في التركيب اللغوي، حيث ينتقل بين الجمل الطويلة والقصيرة، يخلق إيقاعًا شعريًا متنوعًا. هذا التنوع يسهم في إبراز الصراع الداخلي ويعزز تجربة القارئ في فهم المعاني العميقة.
\الفلسفة\
من خلال هذا النص، يمكننا ربط موضوع الهوية بفلسفات وجودية معروفة، مثل أفكار سارتر حول الحرية والوجود. تُظهر الشاعرة كيف أن الغياب يمكن أن يساهم في تشكيل الهوية، مما يجعل النص غنيًا بالمعاني الفلسفية. يمكن أن يُنظر إلى تجارب الإنسان في الغياب كحجر أساس في بناء الذات، حيث نكتشف أنفسنا من خلال ما نفتقده.
\ التأمل في الجسد والروح\
تتناول مرشدة أيضًا العلاقة بين الجسد والروح، حيث يُعتبر الجسد وسيلة للتعبير عن الهوية والمشاعر. في العديد من النقاط في النص، نجد توترات بين الجسد والروح، مما يعكس الصراع الداخلي الذي يعيشه الإنسان. الجسد هنا ليس مجرد كيان مادي، بل هو تجسيد للأحاسيس والمشاعر التي تعكس التجربة الإنسانية بأكملها.
\بالمجمل\
إن النص يحمل قيمة شعرية عالية، حيث يجسد تجربة إنسانية معقدة بأسلوب بلاغي جميل. تعكس قدرة الشاعرة مرشدة جاويش على التعبير عن المشاعر الصادقة من خلال الصور الشعرية الغنية، مما يضيف عمقًا فلسفيًا يعكس تفكيرًا عميقًا حول الهوية والوجود. إن استخدام اللغة الموحية يعكس تأملات الشاعرة في الحياة، مما يمنح القارئ فرصة للتواصل مع الأفكار والمشاعر المعقدة.
تستحق شاعرة الشواعر الصديقة الأديبة الناقدة الحصيفة أ. مرشدة، كل التقدير والاحترام على قدرتها الفائقة في استنطاق الجسد والروح وتجسيد تجربة البحث عن الذات بأسلوب فني متميز. إن نصها ليس مجرد كلمات، بل هو تجربة حسية وفكرية تعيش في ذاكرة القارئ، مما يجعله عملاً شعريًا يستحق الاحتفاء والتفكير العميق.
دمتِ بود وعافية، وأدام الله عليك نعمة العافية ونعمة الفكر العبق والمتقد، شاعرتنا المرهفة أستاذة مرشدة. خالص تحياتي وعميق محبتي.