د. فيروز الولي تكتب :الفريق القانوني في اليمن: نفس الوجوه، نفس المسرحية.. وكوميديا التشريع بأثر رجعي!

عندما تنظر إلى تشكيل الفريق القانوني لمجلس القيادة الرئاسي، ستظن للحظة أنك أمام حفلة إعادة لم شمل لأصدقاء قدامى اجتمعوا على حب اليمن… أو بالأحرى على حب الكراسي في اليمن! نفس الوجوه، نفس النوايا المغلّفة بالمصطلحات القانونية، ونفس القدرة الخارقة على تأطير الفساد بقوالب دستورية أنيقة، كأنهم يقولون لنا: “نحن لا نسرق… نحن نشرعن!”
هؤلاء الذين كانوا يشرّعون لصالح وهادي، يعودون اليوم ليشرّعوا العليمي! أسماءٌ عرفها اليمنيون جيدًا، ليس من خلال إنجازاتهم، بل من خلال صمتهم المطبق حين كانت مؤسسات الدولة تُنهب، أو من خلال توقيعاتهم الممهورة على قرارات دمرت ثروات البلاد. كانوا يُشرّعون لصالح وهو يبني دولة المافيا، ثم انتقلوا بسلاسة إلى شرعنة عبث هادي ب”شرعية المقيمين في الرياض”، واليوم يُقدَّمون لنا كخبراء دستوريين ناصعي البياض مهمتهم الكبرى: منح الشرعية لـ”الراشد العليمي” وحكمه المتدرج نحو المجهول!
إعادة تدوير النخبة: دولة القانون على طريقة “كوكتيل الفساد”
بدلًا من البحث عن وجوه جديدة تمثل جيلًا جديدًا، قررت السلطة أن تُعيد تدوير نفسها، نفس السلطة القديمة بمكياج جديد يُسمى “الفريق القانوني”. بل بعض أعضائه قد يحتاجون لمحامٍ قبل أن يصبحوا مرجعية قانونية للدولة! تخيّل أن تكون في قفص الاتهام، والقاضي الذي أمامك هو نفسه من وقّع بالأمس على بيع شركة وطنية، أو صمت عن نهب مؤسسة سيادية.
الفريق القانوني لا يتعب نفسه بمراجعة الدستور أو إصلاح القوانين، بل يقوم بما يجيده: التأويل حسب الطلب، والفتوى حسب المزاج السياسي. تريد تمديدًا للعليمي؟ جاهز. تريد شرعنة قرارات مشبوهة؟ لا مشكلة. تحتاج صمتًا دستوريًا مقابل منصب؟ التوقيع موجود!
كوميديا الموقف: “جمهورية التشريع بأثر رجعي”
في بلدان أخرى، يُسجن الفاسد أو يُحاسب من غطى عليه قانونيًا. أما عندنا؟ المشرّع القانوني نفسه يُرقّى، يمنح وسامًا، ويُعيّن ليعيد صياغة الفساد بشكل قانوني! نعيش في بلد إذا أحبّك الحاكم جعلك “مرجعًا قانونيًا”، حتى لو كان آخر ما قرأته في القانون هو مادة “التزكية بالمصلحة”!
كيف نكسر دائرة التشريع الفاسد؟
حتى لا نظل أسرى في مسرحية “التدوير القانوني”، ونجعل نقدنا أكثر من مجرد صراخ في الفراغ، هناك مسارات حقيقية للخروج من مستنقع “شرعنة الخراب”، وهذه بعض الاقتراحات التي قد تشكل بداية لنقاش وطني جاد:
1. تدقيق قانوني شامل في ملفات الفريق
لا يحق لأي شخصية قانونية تولي مهام في مجلس القيادة أو أي مؤسسة قبل فتح ملفاتها للتدقيق. من يملك سجلًا مشبوهًا، لا يمكن أن يكون حارسًا على القانون.
2. تشكيل هيئة قانونية مستقلة من الداخل والخارج
نحتاج إلى كوادر يمنية شابة، من الداخل والشتات، لم تتورط في منظومة الفساد، لتأسيس هيئة دستورية محايدة وشفافة. جيل جديد لا يخرج من مدرسة “الشرعنة مقابل المنصب”.
3. نشر السير الذاتية والقرارات السابقة للأعضاء
ليكن الشعب شريكًا في تقييم الفريق القانوني عبر نشر سجل كل عضو ومواقفه وقراراته في الفترات الحرجة. إذا لم يكن لديك ما تخفيه… فلا تخف من الانكشاف!
4. نص دستوري يمنع تدوير الفاسدين
ضرورة تضمين مادة تمنع من شرّعوا فسادًا أو وقّعوا على نهب من تولي أي منصب قانوني أو تشريعي لعشر سنوات. العدالة ليست انتقامًا، بل وقاية.
5. إصلاح جذري في تعليم القانون
تحديث مناهج كليات القانون والمعاهد القضائية لإنتاج جيل يفهم دوره كمراقب على السلطة، لا كموظف تابع. القانوني الحقيقي يكتب لردع الحاكم، لا لحمايته.
6. منصة رقمية لرصد وتحليل التشريعات
إطلاق منصة مفتوحة تتيح للناس متابعة كل قرار قانوني أو دستوري مع تحليلات مستقلة توضّح إن كان القرار قانونيًا أو سلطويًا. دعوا الناس ترصد ماذا يُطبخ في الغرف المغلقة.
خاتمة: نحتاج إلى ثورة قانون.. لا قانون الثورة!
لا يمكن بناء دولة تحترم القانون بفريق لا يحترم ذاكرة الناس. ما لم نعد تعريف من يحق له التحدث باسم الدستور ومن يملك شرعية الفتوى القانونية، سنظل نعيش في دوامة إعادة إنتاج نظام واحد، يغيّر الأسماء فقط، ويبقي نفس الكتّاب القانونيين.
اليمن لا تحتاج “مستشارين قانونيين” يزيّنون الكارثة، بل قضاة ضمير يعيدون تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن على أسس الشفافية والمساءلة.
الطريق إلى اليمن الجديد يبدأ بتجريم “التشريع حسب الطلب”، لا بتجميله.