فيس وتويتر

حسام السيسي يكتب :فزّاعة الاقتصاد والحرب: ما بين هشاشة الدولة وإعادة إنتاج الخوف

حين يخرج إعلامي بحجم إبراهيم عيسى ليقول إن مصر ستعاني «هزات اقتصادية عنيفة» قد تدفع بالدولار إلى مئة جنيه إذا دخلت في حرب ضد الكيان الإسرائيلي، لا أستطيع أن أراه مجرد تعليق عابر أو رأي شخصي. ما يقوله أخطر بكثير، لأنه يوازي في خطورته ما صرّح به مصطفى بكري قبل ايام حين قال إن إسرائيل يمكن أن تحتل سيناء مع أول مظاهرة ضد السلطة.
مثل هذه التصريحات لا تزرع الخوف فقط في الداخل، بل ترسل للخارج إشارات مقلقة تختزل مصر في صورة دولة هشة، عاجزة عن الصمود أو الدفاع عن نفسها، وتضعها في خانة الكيان الضعيف الذي ينهار أمام أي هزة.
يبقى السؤال: هل ما يُقال مبني فعلًا على تقديرات موضوعية داخل مؤسسات الدولة؟ إن صح ذلك، فالكارثة مضاعفة، لأن معناه أن دولة بتاريخ مصر وبعدد سكانها ومواردها واقفة على رمال متحركة أمام كيان صغير محاصر يخوض أكثر من سبع جبهات في وقت واحد ولا تعنيه جبهة إضافية. أما إذا لم يصح، فنحن إذن أمام ماكينة إعلامية تصنع فزاعات لتبرير العجز الداخلي، وتستخدم خطاب الهشاشة كسلاح سياسي، ويُختزل الدفاع عن الكرامة الوطنية في معادلة مرتبطة بسعر صرف الدولار.
الخطير أن هذا النوع من الخطاب لا يكتفي بخلق حالة خوف داخلي، بل يبعث رسائل للخارج بأن مصر بلا وزن حقيقي في معادلات المنطقة. فكيف يمكن لدولة بهذا الحجم والتاريخ أن تُقدَّم على أنها عاجزة عن تحمّل تبعات مواجهة عسكرية أو حتى سياسية؟ ومن المستفيد من تصويرها بهذه الصورة أمام العالم؟ وهل يمكن أن يُقبل أن تتحول مؤسسات الدولة إلى مجرد صدى لأبواق إعلامية تروّج أن أي مواجهة دفاعية ستؤدي لانهيار اقتصادي شامل؟
الأسئلة هنا لا تنتهي: هل حقًا مصر عاجزة إلى هذه الدرجة عن حماية أمنها القومي؟ و أين مؤسسات الدولة التي يُفترض أن توازن بين مقتضيات حماية الأمن القومي وضمان استقرار الداخل؟
في لحظة إقليمية حساسة، ومع إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة، تبدو هذه التصريحات أكثر من مجرد آراء إعلامية. إنها تكشف عن مأزق أعمق: مأزق دولة تُدار بعقلية الفزاعات بدل عقلية بناء الثقة، وتُختزل في خطاب إعلامي يفرغها من مضمونها الاستراتيجي، ويحوّلها إلى مجرد رقم في سوق العملة، بلا وزن حقيقي في معادلات الإقليم. وأنا شخصيًا لا أرى في هذه التصريحات إلا خطرًا مضاعفًا، لأنها تقتل روح الدولة قبل أن تختبرها أي حرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى