كتاب وشعراء

حين بكت الأحذية على أقدام الأطفال….بقلم محب خيري الجمال

(1)
في زاويةٍ مهجورةٍ من الخريطة
نامَ طفلٌ
ويده تحت رأسه كأنها بندقيةٌ
تعلّمَت النوم قبله.
الليلُ هناك لا يتكاثر بالنجوم
بل بجثثٍ صغيرةٍ
تضيءُ دقيقةً
ثم تنطفئ تحت الأنقاض.
(2)
لم يعد للطفولة لونٌ ولا طعمٌ
ولا حتى بكاء.
صار الطفلُ يصرخُ في صمتٍ
كأنه يعرف
أنّ صوته لن يمرّ
من بين أنياب الطائرات.
(3)
هي،
لم تكن بطلةً من ورق
ولا تمثالًا يُبكى عليه
بل امرأةٌ تجرّ في حضنها
أرواحًا نصفها غائب
ونصفها يصرخ كأنّ الجلدَ عدوٌّ.
(4)
كل صباح،
كانت تنظر في عيني ابنها
وتتأكد أنه ما زال حيًّا
بأنفاسٍ مرتجفة،
كأنها تؤدّي طقسًا
لحمايةِ اللهاثِ من القذيفة القادمة.
(5)
الرغيف صار شائعة.
الحليب أسطورة.
الدفء جريمة.
والماءُ حفرةٌ عميقةٌ
قد تخرج منها أقدام الأطفال وليس قلوبهم.
(6)
ذات مساء،
شاهدتْ الحيّ
وهو ينسحبُ من الحياة كثوبٍ قديم
تعبتْ منه الأجساد
وتقيّأه الجدار.
(7)
الأطفال لا يرسمون بيتًا بعد الآن،
بل يرسمون سقفًا سقط،
وسريرًا بلا جسد،
وقطةً تبحث عن صاحبها
في حقائب المهجّرين.
(😎
الخوف هناك يُقاسُ بالأنفاس.
من تنفّس أكثر من غيره
فهو حيٌّ أكثر من اللازم
وقابلٌ للموتِ أكثر من سواه.
(9)
أخبروها:
اصمتي،
لكنكِ الآن أمٌّ،
والأمهات لا يصرخن،
بل يبتلِعن الألمَ
كحبّة دواءٍ فاسدة.
(10)
وفي آخر الليل
عندما هدأت القذائف قليلاً
نهضتْ،
مسحت دم التراب عن وجهها،
ورسمتْ على الحائط بالطباشير الأحمر:
هذا البيتُ كان يضحك، والآن، يبكي من سقفه.
ثم مشتْ
وطفلُها على ظهرها ينام دون حلم،
وفي يدها الأخرى
أحذيةٌ صغيرةٌ تبكي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى