إبراهيم نوار يكتب :نافذة لتعزيز التعاون الاقليمي في الطاقة

إن الالتزامات الأوروبية باستيراد قيمة محددة من مواد وتكنولوجيا الطاقة من الولايات المتحدة، منها من شأنها توسيع السوق للغاز المسال الأمريكي، وتقليص حجم السوق المتاح للتصدير أمام منتجي البحر الأبيض المتوسط. وفي هذا الوضع الجديد سيكون على أولئك المنتجين إما أن يصبحوا أكثر مرونة، أو التوجه إلى أسواق بديلة وسلاسل قيمة خالية من الكربون. لكن مراكز استيراد الغاز في جنوب أوروبا والدول التي تمتلك طاقة إنتاجية للغاز الطبيعي المسال (ولا سيما مصر وأجزاء من إيطاليا/إسبانيا) ستصبح قادرة على تحقيق أكبر فائدة تجارية على المدى القريب، بينما يواجه الموردون المعتمدون على خطوط الأنابيب ضغوطًا ما لم يتكيفوا مع الوضع الجديد.
في عام 2024، شهدت كل من الجزائر ومصر تحولات في صادراتهما من الغاز إلى أوروبا، حيث انخفض إجمالي صادرات الجزائر من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي بشكل طفيف، على الرغم من الجهود المبذولة لزيادة الإمدادات، وانخفضت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال بشكل حاد بسبب الطلب المحلي، على الرغم من أنها تعمل على أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة. وظلت الجزائر موردًا رئيسيًا للاتحاد الأوروبي ولكنها واجهت انخفاضًا في الطلب الإيطالي، بينما أدى انخفاض شحنات الغاز الطبيعي المسال في مصر إلى زيادة الواردات لتلبية احتياجاتها المحلية. وقد انخفضت صادرات الغاز الجزائري إلى الاتحاد الأوروبي من 37 مليار متر مكعب في عام 2021 إلى 32 مليار متر مكعب في عام 2024، وهو اتجاه مخيب للآمال، وفقًا لمعهد إلكانو الملكي. وأدى قرار الجزائر بإغلاق خط أنابيب المغرب العربي – أوروبا إلى تحويل صادرات كانت تمر عبره إلى إسبانيا إلى إيطاليا عبر خط أنابيب ترانسميد، مع أن الصادرات الجزائرية إلى إيطاليا انخفضت أيضًا في العام الماضي، بسبب الانخفاض في الطلب الإيطالي.
إما صادرات مصر من الغاز إلى أوروبا فإنها تعرضت لانخفاض حاد من ذروة بلغت 7.7 . مليون طن في عام 2022 إلى 800 ألف طن فقط في العام الماضي. ويعزى هذا الانخفاض إلى انخفاض الإنتاج وارتفاع الاستهلاك المحلي، مما أجبر مصر على زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال لتلبية احتياجاتها من الطاقة. وجدير بالذكر أن مصر تعمل جاهدةً على تطوير مكانتها كمركز اقليمي للطاقة من خلال الاستفادة من بنيتها التحتية الحالية التي تتمثل في شبكة خطوط لنقل الغاز في شرق المتوسط، وحقول انتاج مع وجود فرص كبيرة للتوسع واستكشاف موارد جديدة. كذلك تعمل مصر على استثمار محطات إسالة الغاز في إدكو ودمياط في تحويل الغاز الطبيعي المستورد من قبرص وإسرائيل الى غاز مسال يتم تصديره في أسواق الاستهلاك العالمية خصوصا في أوروبا والشرق الأقصى. ومن المرجح أن تكون مصر الرابح على المدى القصير إذا نجحت في تطوير قدرتها على تصدير/إعادة تغويز الغاز الطبيعي المسال؛ حيث انها تتمتع بمزايا مقارنة جغرافية لأن تكون المركز الطبيعي لإعادة تصدير الغاز في الحوض الشرقي للبحر المتوسط.
أما ليبيا، فقد واصلت في العام الماضي تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر خط أنابيب “غرين ستريم”، مع خطط لزيادة هذه الصادرات والاعتماد على تصدير الغاز أكثر من النفط لتحقيق الإيرادات. وكان الاتحاد الأوروبي شريكًا مهمًا لليبيا، حيث تهيمن المنتجات المعدنية، بما في ذلك الغاز الطبيعي، على الصادرات الليبية إلى الاتحاد. وفي حين أن أحجام صادرات الغاز المحددة في عام 2024 غير متاحة بشكل كامل، إلا أن اعتماد الاتحاد الأوروبي الكلي على غاز خطوط الأنابيب من دول مثل ليبيا ظل قائمًا، على الرغم من تزايد أهمية واردات الغاز الطبيعي المسال. و تعمل ليبيا على استكمال مشاريع الغاز وتحسين بنيتها التحتية لتعزيز الصادرات، حيث تشارك شركة الطاقة الإيطالية العملاقة “إيني” في زيادة إنتاج الغاز للاستخدام المحلي والتصدير.
إن اتفاقية الطاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تفتح، من دون قصد، نافذة واسعة لتعاون اقليمي عربي واسع النطاق في مجالات الطاقة؛ نظرا لوجود فرص واعدة للتصدير إلى أسواق جديدة في افريقيا وآسيا، تعوض انكماش سوق الاتحاد الاوروبي مع اشتداد حدة المنافسة من جانب الغاز الأمريكي. ويقدم التعاون الاقليمي العربي، من خلال انشاء شبكات نقل الغاز الطبيعي بالأنابيب بين الدول العربية، من الدول ذات الفائض إلى الدول العربية المستوردة مثل مصر والاردن ولبنان وسورية والعراق (في الوقت الحاضر)، وكذلك الى الدول ذات الطاقات التصديرية الفائضة مثل مصر، ما يحقق المصالح المشتركة لها جميعا، ويساعد على إغلاق الثغرة الحالية الناتجة عن التباين في توزيع انتاج الغاز، ويغلق الطريق على محاولات اسرائيل استغلال هذه الثغرة لمصلحتها.