“خرائط المعنى وجماليات الخطاب النسوي: أحلام مستغانمي نموذجاً”… من الذات المبدعة إلى سلطة المعرفة …. بقلم:ربا رباعي

في زمن تتقاطع فيه الأسئلة حول الهوية، الجندر، وسلطة الكلمة، تأتي التجربة الأدبية لأحلام مستغانمي لتشكّل أحد أبرز ملامح الخطاب النسوي العربي الحديث. وهي تجربة لا تكتفي بالتعبير عن الذات الأنثوية فحسب، بل تسعى إلى إعادة تشكيل اللغة والمعنى والجماليات من منظور نسوي مغاير.
بين المعنى والجمال: عنوان مفتوح على احتمالات التأويل
عنوان مثل “خرائط المعنى وجماليات الخطاب النسوي: أحلام مستغانمي نموذجاً – من الذات المبدعة إلى سلطة المعرفة” يشي منذ اللحظة الأولى بثقل معرفي وجمالي يستدعي الوقوف عنده. إنه عنوان لا يكتفي بإحالة القارئ إلى تجربة كاتبة بعينها، بل يطرح مشروعًا تحليليًا يتشابك فيه النقد الأدبي، التحليل الثقافي، والمقاربة النسوية.
الذات الكاتبة: حين تصبح التجربة الشخصية مدخلاً للوعي الجمعي
لا يمكن الحديث عن أحلام مستغانمي دون الوقوف على مركزية “الذات الكاتبة” في أعمالها. رواياتها تنطلق من عمق التجربة الشخصية، لكنها لا تنغلق فيها. بل تتسع لتصبح مرآة للذاكرة الجماعية، للأنثى التي تعيش بين الحب والسياسة، الوطن والمنفى، الجسد واللغة.
في “ذاكرة الجسد”, تتقاطع قصة الحب مع خيبات الوطن، ويتحول البوح العاطفي إلى أداة للقول السياسي. أما في “الأسود يليق بكِ”, فنشهد بروز أنثى تقاوم بالصوت، بالغناء، وبالتمرد الجمالي على محيط يُريد تقييدها.
الخطاب النسوي: بين الشعرية والموقف
ما يميز خطاب مستغانمي النسوي هو انزياحه عن النمطية. فلا خطاب شعاري مباشر، ولا تبنٍّ لنموذج الضحية التقليدي. بل نجد خطابًا ينحت لغته الخاصة، يتكئ على جماليات عالية، لغة مشبعة بالشعر، ومجازات تعيد تشكيل صورة المرأة ليس بوصفها موضوعًا، بل كذات فاعلة، كاتبة، وعاشقة.
هنا، يصبح التحليل الأسلوبي والسردي ضرورة لفهم كيف تُبنى المعاني داخل نصوصها، وكيف تُوظّف اللغة كأداة مقاومة ناعمة للبُنى الذكورية المهيمنة في الأدب والمجتمع.
من الحكي إلى المعرفة: الكاتبة كصوت ثقافي
المثير في تجربة مستغانمي هو هذا التحوّل من “الروائية” إلى “المنتِجة للمعرفة”. فخارج النصوص الروائية، في مقالاتها، حواراتها، وحتى حضورها الإعلامي، تتجلى كصوت نسوي يمتلك وعيًا ثقافيًا نقديًا. وهنا، يتحقق الانتقال من التعبير عن الذات إلى إنتاج خطاب له فاعليته في الفضاء الثقافي العربي.
هي لا تكتب لتبوح فحسب، بل لتُؤسس – ولو رمزيًا – لموقع نسوي قادر على مساءلة التقاليد، والمشاركة في صياغة الوعي الجمعي الجديد.
لماذا مستغانمي؟ ولماذا الآن؟
في وقت تتجدد فيه الأسئلة حول دور الأدب في قضايا النوع والهوية والمعرفة، تبدو العودة إلى تجربة مستغانمي ضرورة لا مجرد ترف نقدي. فهي حالة تُغري بالتحليل من زوايا متعددة: جمالية، نسوية، سوسيولوجية. كما أن أثرها الواسع في جمهور القراء – من النساء خصوصًا – يجعل من خطابها حالة تستحق التوقف عندها ليس كإبداع فردي فقط، بل كخطاب ثقافي نسوي له امتداد وتأثير.
نحو قراءة جديدة للخطاب النسوي العربي
إن تحليل “خرائط المعنى” في نصوص مستغانمي هو دعوة لإعادة قراءة الأدب النسوي العربي بمنهجيات معاصرة، تتجاوز التصنيفات الضيقة، وتنفتح على مقاربات جديدة، تحترم الجماليات كما تشتبك مع الأسئلة الكبرى.
فهل نقرأ مستغانمي بوصفها روائية فقط؟ أم بوصفها مفكرة؟ منتجة للمعنى؟ أم صوتًا من أصوات التغيير الناعم في الثقافة العربية؟
ربما الإجابة تكمن في هذا التعدد ذاته.