الأكاديمية والإعلامية د. هبة العطار تكتب: الخوارزميات وصناعة الترند: بين وعي الجمهور وبرمجة المنصات

أصبح مصطلح الترند من أكثر المفاهيم تداولًا في البيئة الرقمية المعاصرة، حيث يُستخدم للإشارة إلى الموضوعات أو الوسوم الأكثر شيوعًا وانتشارًا على منصات التواصل الاجتماعي في فترة زمنية معينة. غير أنّ هذا الانتشار السريع لا يحدث بشكل عفوي بحت، بل تقف خلفه الخوارزميات، وهي مجموعة من التعليمات والبرمجيات الذكية التي تضعها المنصات الرقمية لتنظيم المحتوى وترتيب أولوياته أمام المستخدمين. فالترند في معناه البسيط هو قائمة بالموضوعات أو الكلمات المفتاحية التي تشهد تفاعلات مكثفة وسريعة في وقت قصير، وهو بذلك يعكس لحظة اهتمام جماعي قد ترتبط بحدث سياسي أو فني أو رياضي أو حتى بمحتوى ترفيهي.
الخوارزميات بدورها تقوم بجمع بيانات الاستخدام ومراقبة حجم التفاعل مع محتوى معين، سواء كان ذلك عبر الإعجابات أو المشاركات أو التعليقات أو مدة المشاهدة، ثم تحدد أولويات العرض بحيث تمنح الأسبقية للموضوعات التي تحقق معدلات انتشار مرتفعة في فترة وجيزة. ولا يظهر الترند بشكل موحد لجميع المستخدمين، إذ يمكن أن تختلف الموضوعات الرائجة باختلاف الموقع الجغرافي أو اهتمامات الأفراد السابقة، وهو ما يعكس دور التخصيص الذي تمارسه المنصات. وبمجرد أن يتم إدراج موضوع ما في قائمة الترند تتضاعف فرص انتشاره، حيث يراه عدد أكبر من المستخدمين مما يخلق حلقة تراكمية تزيد من حضوره وانتشاره بصورة واسعة.
البعد الإعلامي لهذه الظاهرة يكشف أن الترند أصبح معيارًا أساسيًا لتوجيه أجندة النقاش العام، فالصحفيون وصناع المحتوى يعتمدون على متابعة القوائم الرائجة لرصد اهتمامات الجمهور وتوجيه تغطياتهم. ومن منظور علم الاتصال تسهم الخوارزميات في تكوين ما يعرف بغرف الصدى، حيث يتعرض الأفراد بصورة أكبر للموضوعات المتماشية مع ميولهم بينما يتم تهميش موضوعات أخرى قد لا تتفق مع توجهاتهم. أما من الناحية الاجتماعية فإن الترند قد يعبر بالفعل عن صوت جماعي حقيقي، لكنه في أحيان أخرى قد يُصنع أو يُضخَّم بفعل حملات منظمة أو تدخلات من حسابات وهمية وبرمجيات آلية.
إنّ التأمل في ظاهرة الترند يقودنا إلى إدراك أن ما يظهر أمام أعيننا على الشاشات ليس مجرد انعكاس بريء لرغباتنا، بل هو نتاج علاقة معقدة بين التقنية والإنسان. فالخوارزميات لا تكتفي بعرض ما نبحث عنه، بل تساهم في تشكيل ما نظنه مهمًا وجديرًا بالاهتمام. وهنا تكمن المفارقة: نحن من نغذي المنصات بتفاعلاتنا، لكنها في المقابل تعيد صياغة وعينا الجمعي وفق منطقها الداخلي. وفي النهاية يصبح الترند مرآة مزدوجة، تعكسنا من جهة، وتعيد صياغتنا من جهة أخرى.