السفير أيمن زين الدين يكتب :فى محاولة لتفسير ما يستعصى على التفسير، أو ما وراء مبادرة ترمب الجديدة

أصبح فهم مغزى ودوافع تحركات الولايات المتحدة أمراً بالغ الصعوبة، مع ذلك تظل المحاولة ضرورية، وخاصة إزاء مبادرة على أهمية وخطورة مبادرة غزة، لأنها تمس مستقبل قطاع غزة والقضية الفلسطينية، بل ومستقبل المنطقة كلها (فى أول تعليق بوست مهم للغاية للكاتب الكبير Mohamed Bassal عن تفاصيل المبادرة)…..
والحقيقة أن أهم خاصية فى المبادرة هى أنها تربط وقف إطلاق النار ليس فقط بإطلاق سراح الأسرى، وإنما بخطة متكاملة لإدارة قطاع غزة، رغم أن كل من له معرفة معقولة بالقضية يدرك أنها خيالية…. كما أن أهم ما يلفت النظر هو حديث ترمب الواثق عن قرب وقف إطلاق النار، وعن رفضه لقيام إسرائيل بضم الضفة الغربية…. هذا كله على خلفية اقتناع -أنحاز له- أن ترمب لا يمكن أن يتخذ موقفاً كهذا دون أن تنسيق كامل مع نتنياهو، بل وربما استجابة لطلب منه، وتنفيذاً لتصور يخدم أهدافه ومخططاته….
تفسيرى هو أن نتنياهو ربما يكون قد وصل إلى استنتاج أن معدل الخسائر الداخلية والخارجية لاستمرار الحرب فى غزة، سياسياً واقتصادياً واجتماعيا، أصبحت تفوق أى مكاسب، وأن كل يوم يمر دون إيقافها يؤدى إلى ارتفاع التكلفة وتراجع المكاسب…. كما أن الوضع الذى تقف فيه إسرائيل اليوم يتيح لها استخلاص أكبر مكاسب ممكنة فى صفقة تقودها الولايات المتحدة، وأن التأخر فى إبرامها يعنى تآكل ما يمكن أن تتضمنه من مكاسب له…
وهنا تتبلور الفكرة: يقوم ترمب بطرح مبادرة كما لو كان يفرضها على الأطراف كحل وسط يهدف إلى وقف إطلاق النار وإعادة الأسرى، لكنه يضيف إليها رفض ضم الضفة الغربية، كل هذا لتمرير الخطة الأهم -والتى أشدد على أن التمعن فى تفاصيلها يوضح مدى عدم واقعيتها- التى ترفع عن إسرائيل إلى الأبد أى ضغط أو تهديد من قطاع غزة، دون أن تضطر إلى الاستمرار فى كشف وجهها القبيح، والتورط فى جرائم تستنزف من شرعيتها ومكانتها عالمياً، وتمزق مجتمعها وتضعف اقتصادها داخلياً…. كل هذا علماً بأن إعلان ترمب رفضه اتخاذ إسرائيل قرار رسمي بضم الضفة الغربية، لا يحول دون استمرار ممارساتها التى تؤدى إلى الضم الواقعى للمزيد منها، بل ولا يحول دون موافقة ترمب لاحقاً، وبعد أن تطوى صفحة حرب غزة، على خطوات ضم رسمية للضفة أو أجزاء منها…..
ما العمل إذن…؟
اعتقد أن الجانب العربى، مستنداً إلى موقف حركة حماس التى تمسك بأوراق موضوع الأسرى، عليه أن يتمسك بالفصل بين الملفين: ملف صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وتدفق المساعدات بإشراف دولى، وهو الذى تمت مناقشته مطولاً، وقطعت فيه خطوات كبيرة، وملف ترتيبات مستقبل غزة، الذى يحتاج مناخاً أهدأ وأقل اضطراباً، وهو ما يتطلب تنفيذ وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وتدفق المساعدات كخطوة أولى ضرورية، تساعد على مناقشة مستقبل القطاع بتعقل وهدوء، ربما فى إطار المؤتمر الذى تزمع مصر على استضافته…. كما ينبغى التمسك بأن تكون القيادة فى إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية، وأن يكون دور أى مساهمة دولية هو دعم السلطة وليس الحلول محلها، وأن يكون أى إصلاح لها مصاحباً لتوليها المسئولية وليس شرطاً له، وألا تقتصر مناقشة المستقبل على قطاع غزة، وإنما أيضاً الضفة الغربية، بغرض إيقاف الممارسات الإسرائيلية فيها، والرجوع عما اتخذته من خطوات فيها، والعمل على تنفيذ حل الدولتين…
الخلاصة هى أن المطلوب هو ألا تكون هذه المبادرة وسيلة لاستمرار مخطط تصفية القضية الفلسطينية فإن لم يكف التدمير والقتل، فبالتهجير، وإن تعذر فبترتيبات تثبت الأمر الواقع فى القطاع، مع تخفيف أعباء الحرب على إسرائيل وإيقاف خسائرها، مع إطلاق يدها فى الصفة، وأن تظل إسرائيل فى الموقف الحالى، بتكاليفه المتصاعدة عليها، حتى تقبل بترتيبات لا تحقق لها بالحوار ما عجزت عن تحقيقه بالحرب……