حمزه الحسن يكتب : خيانة الأدب

ـ إن الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود ما يزال مجهولا هي رواية لا أخلاقية. إن المعرفة هي أخلاقية الرواية* ميلان كونديرا.
لماذا لا نضع البحث والكشف والابداع والشجاعة الادبية والمغامرة الفكرية،
وخلخلة السكون وكشف الأقنعة، والدفاع عن الكرامة البشرية والوضوح والابداع كجزء جوهري من أخلاق الكاتب؟
ماذا تنفع القارئ ” اخلاق” الكاتب الشخصية حسب الفهم السائد للأخلاق اذا كان يكتب بطريقة رديئة؟
الكتابة فعل تضامن تاريخي بتعبير رولان بارت، التخيل الابداعي والسرد والنسج اللغوي هو اخلاق كما ان كشف المسكوت عنه والمخفي والمعرفة واللغة الجديدة اخلاق ايضا لكن في المجتمعات المغلقة والمتخلفة ينحصر مفهوم الاخلاق في اطار محدد ولا يدخل العلم والفكر والابتكار والخلق في المفهوم الشرقي للاخلاق.
الكاتب من لحظة الكتابة يكون شريكاً في موضوع، قضية ما، مع جمهور واسع، ويدخل في معركة مفتوحة،
وتصبح الكتابة خارجك ولست أكثر من قارئ لما تكتب. أليس النسج والسرد اللغوي والجمال من الأخلاق أيضاً؟ بالمقابل اليس السكوت عن جرائم ضد البشر سلوكا لا اخلاقيا تحت اية ذريعة؟
يوم كتب غابريل ماركيز روايته الشهيرة:” مائة عام من العزلة”،
كان يضع في تفكيره كما قال مذبحة إضراب عمال الموز عام 1926 على يد القوات الكولومبية،
وتأثر ماركيز بالعقيد ماركيث وهو جده وجسده في الرواية لرفضه
السكوت عن مذبحة عمال الموز،
وكثيراً ما حدث في الأدب والرواية والتاريخ أن تُحرك مثل هذه المذابح
وجدان الشعراء والروائيين والرسامين،
لكن من الغريب أن وجدان الروائي والشاعر العراقي لم يتحرك أمام
مجازر الجنود في حرب الجبال ولا في حروب النظام ولا في دفن الاف الجنود احياء في الصحراء في غزو الكويت وبعد وقف اطلاق النار،
وخاصة مذابح الأسرى كما لو أن هؤلاء أولاد الغياب والضباب ومن المنطقي والطبيعي أن تكون الخاتمة القتل.
لكن هذا الكاتب والشاعر يركض نحو ضجة اعلامية منظمة عن جرائم بحق شريحة يجري تسليط الضوء عليها دون أخرى مع أن جرائم الارهاب طالت الجميع،
وتكون الرواية جاهزة خلال أيام حسب شروط الجوائز الخليجية الضمنية وغير المعلنة والتي يعرفها كل روائي محترف، ومنها التركيز على ظلم الأقليات أولاً،
والتركيز على صورة نمطية عامة عن العربي والمسلم الارهابي، ثانياً،
وستكون اللجنة شاكرة لو تعرض الروائي لما يسمى في
العراق “فرهود اليهود عام 41، كما لو أن نصف مدن العراق التي خربت وتحولت الى أنقاض بعد الاحتلال،
كالرمادي وصلاح الدين والموصل وغيرها لم تحدث في الواقع بل في فيلم كارتون.
للتاريخ أن فرهود اليهود ــــــــ هجوم الغوغاء على بيوت اليهود في بغداد ــــــــ وكما يعترف جنرال الموساد شلومو هليّل وهو من أصل عراقي ومنظم الفرهود في كتابه” عملية بابل” كان مدبراً من الموساد، وعملية تحريك حفنة غوغاء بالمال منظمة أيضاً،
وشلومو صار رئيس “كنيست” البرلمان، ووزير داخلية، وكل الكتاب اليهود من أصل عراقي كتبوا إن الشعب العراقي برئ من تلك العملية وهي عملية مدبرة.
يشرح ضابط الموساد الاسرائيلي شلومو هليل العراقي الاصل في كتابه:” عملية بابل Operation Babylon كيف انه سافر الى العراق سراً وعمل مع فريق مخابراتي على زرع القنابل في الكنس اليهودية والتجمعات لدفع اليهود الى الهجرة وان العراقيين ابرياء من تلك الوصمة. شلومو صار من كبار قادة اسرائيل ، وتولى مناصب حساسة في السلطة العليا وما زال وصم فرهود اليهود يلصق بالعراقيين.
كتب لي الشاعر العراقي اليهودي ابراهيم عوبديا من حيفا في رسائل بيننا ان ضابط شرطة ابلغه عام 1948 بأمر القبض عليه كشيوعي وهرب الى ايران ثم عاد وكتبت بعض سيرته في رواية” عزلة أورستا” ويذكر ان العراقيين ابرياء من قضية الغوغاء بل ان عوائل مسلمة خبأت عوائل يهودية من تلك الهجمات المرتبة وهو ما أكده لي البروفسور اليهودي العراقي شموئيل موريه أو سامي استاذ الادب العربي في جامعة القدس في رسائل وفي كتب له.
لماذا تصلح المرأة الإزيدية فقط مادة روائية ولا تصلح العراقية والعربية المسلمة التي تعرضت لكل أنواع الهتك كموضوع روائي؟
لماذا قتل أو خطف أوروبية في العراق يصبح ملحمة أدبية، وذبح الجنود الابرياء وسبي النساء عملية منسية؟
ماذا نتوقع من سياسيين عندما يتعامل أدباء الوطن مع الضحايا بهذا الاهمال والاحتقار؟
الخداع في السياسة واضح، لكنه في الأدب ملعون وخفي ولا يعرفه
إلا أصحاب الكار والحرفة والمهنة. منذ القرن الماضي وحتى اليوم ظلت الرواية العراقية بعيدة عن عالم البسطاء والمهمشين والمقصيين وتدور فقط حول عالم المثقفين في الحانات والمقاهي والغرف المغلقة وتجربة مكاتب مرفهة وصالونات وامكنة العزل المغلقة ولم تخرج نحو الامكنة المفتوحة حيث الناس يموتون بصمت وهو موت يشبه القتل بالتلوث والخوف وفقدان الامل والكآبة والطعام والهواء الملوث.
الخيانة في السياسة وفي الاخلاق واضحة لكنها في الادب خفية ومجهولة مع انها لا تقل خطراً عن الخيانات الكبرى.
ـــــــــــــ الصورة: غلاف كتاب ضابط الموساد ورئيس الكنيست ووزير الداخلية فيما بعد شلومو هليل ” عملية بابل” يعترف شلومو هليل صراحة إن العراقيين أبرياء من تلك القضية وانها كانت من تدبيره هو مع فريق كامل
من بينهم وزير الدفاع الاسرائيلي في حرب حزيران عام 1967 موشي دايان،
كما يعترف انه قابل نوري السعيد بجواز امريكي مزور كصاحب شركات
والطلب منه تسهيل هجرة اليهود مقابل الحصول على مكاسب إقتصادية.