علي الحفناوي يكتب :ساركوزي رئيس الجمهورية الفرنسية من 2007 إلى 2012

عُرف عنه منذ أولى خطواته في العمل العام النرجسية والطموح غير المحدود، اللذان تغذت عليهما أنيابه السياسية، والتي لا تتورع عن “قتل الأب والأم” لتحقيق التفوق على منافسيه.
أحاط نفسه بالمتسلقين من أشباه الساسة لغزو الساحة، فكان يعامل المحيطين به بتعالٍ وإرهاب نفسي، حتى صار مكروهًا من المعاونين والمنافسين على السواء.
تجلّت نرجسيته بعنف عند وصوله إلى الحكم، حتى إن زوجته الأولى قررت الانفصال عنه عند انتخابه رئيسا للجمهورية، فسارع باستبدالها بإحدى الفنانات الصاعدات “كارلا بروني”، وقتما كانت حديث الإعلام، ليستفيد من الأضواء المسلطة عليها.
في ديسمبر 2007، جاء ساركوزي مع صديقته كارلا إلى مصر في زيارة خاصة قبل أن يتزوجها رسميًا، مما أثار الكثير من القيل والقال. وبعد قضاء أسبوع العسل بين الأقصر وشرم الشيخ وأهرامات الجيزة، استقبله الرئيس حسني مبارك منفردًا دون صديقته، مما لم يروق له…
وبهذه المناسبة، كان السفير الفرنسي قد نظم لقاء تعارف بين ساركوزي ومجموعة من رجال الأعمال. وقد طلب مني السفير التحدث على انفراد مع الرئيس الفرنسي حول الدعم الفرنسي الضعيف للجامعة الفرنسية، ولكن لم يستطع ساركوزي التركيز في الموضوع الذي كنت أحدثه فيه، فقد كان مهتمًا باختيار المكان المناسب في القاعة لجلوس صديقته، حتى إنه تركنا دون اعتذار في الصالون الخاص، وابتعد مهرولًا إلى القاعة حيث الضيوف ومحبوبته.
ثم كان لساركوزي دور سيئ في إشعال الفتنة في المنطقة العربية أثناء أحداث الربيع العربي، أقلها دعمه المادي والسياسي لانتخاب الإخوان في مصر، وأكثرها مهاجمة سوريا وليبيا بسلاح الجو الفرنسي من مارس إلى أكتوبر 2011.
مع إعادة ترشحه لخوض انتخابات 2012 في فرنسا، والتي لم ينجح فيها أمام المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند، بدأت سهام الانتقام تتوجه إلى ساركوزي من كل جانب، وبدأ فضح المخالفات وعمليات الفساد والتجسس غير المشروع، فقدم هو ومعاونوه خلال السنوات التالية إلى المحاكمة في عدة قضايا فاضحة. وبالفعل صدرت أحكام متنوعة ضده، نُفذ بعضها بلبس السوار الإلكتروني، وأُوقف التنفيذ في البعض الآخر.
بالأمس، صدر حكم بالسجن خمس سنوات مع التنفيذ الفعلي دون انتظار الاستئناف في قضية الرشوة الليبية. تلك الرشوة التي قدمها معمر القذافي لحزب ساركوزي لتمويل حملته الانتخابية في 2007، والتي كان مقابلها استقبال الرئيس الليبي رسميًا في باريس في 2007، والسماح له بإقامة خيمته البدوية في حديقة قصر ماريني، الذي استُقبل فيه بجوار شارع الشانزليزيه الشهير وأمام رئاسة الجمهورية بوسط باريس.
لم تكفِ الأدلة لإدانة ساركوزي في قضية الرشوة الليبية والفساد، حيث اختفت الأدلة وتوفي بعض الأشخاص الضالعين في المخالفة، ولكن المحكمة استطاعت إدانته بتهمة التآمر الجنائي مع آخرين، وحكمت عليه في هذا الشأن فقط بخمس سنوات سجن مع التنفيذ، قبل انتظار أي استئناف، وسداد غرامة قدرها مائة ألف يورو.
لم يحب الكثيرون شخصية ساركوزي، ولكن يصعب على الكثيرين تخيل رئيس جمهورية فرنسا خلف القضبان. فهذا الأمر يمس صورة الدولة وسمعة فرنسا، حتى وإن رفع من قدر قضائها الحر والمستقل… وقد نرى مثل هذا يحدث قريبًا في بلاد تدّعي الديمقراطية، ولكن يحكمها مجرمون، أيا كان لونهم: أبيض أم أسود أم برتقالي.