مقالة نقدية في اشكالية قصيدة النثر/ بقلم مرشدة جاويش ودراسة الدكتور يحيى يشاوي حول المقالة وترجمة دراسته للفرنسية

#إشكالية #قصيدة #النثر:
بين الحرية الجمالية وسؤال الشكل:
#تمثل #قصيدة #النثر واحدة من أكثر الظواهر الشعرية إثارة للجدل في المشهد الأدبي العربي المعاصر
لا لما تثيره من أسئلة حول الشكل والجنس الأدبي
لكن لأنها تربك التصنيفات التقليدية وتهدد الثوابت البلاغية التي طالما استند إليها الشعر العربي في تشكيل ذائقته
لقد انبثقت قصيدة النثر من رحم الحاجة إلى حرية تعبيرية تتجاوز قيود العمود الخليلي والإيقاع المنتظم فجاءت بوصفها تمرداً على صرامة العروض لا على الشعرية ذاتها محاولة إنتاج خطاب بديل يتأسس على الكثافة اللغوية والتصعيد الصوري والانزياح الدلالي ضمن بناء مفتوح على التأويل والانفلات من النماذج المغلقة
ومع ذلك فقد بقيت قصيدة النثر موضع التباس نقدي وجمالي إذ تطرح إشكاليتها من #جهتين #رئيسيتين: #الأولى تتعلق بالهوية النوعية
#والثانية بمستوى التحقق الفني
فهل ما يكتب تحت مسمى (#قصيدة #نثر) هو فعل شعري حقيقي؟ وهل تمتلك هذه القصيدة أسساً جمالية خاصة تبرر انتماءها إلى الشعر لا إلى النثر المتخيل أو السرد المكثف؟
#إن التأمل في بنية قصيدة النثر يكشف عن ميل إلى التحرر من الإيقاع الخارجي مع التعويض عنه بإيقاع داخلي يشتق من النص ذاته: من توزيعه وتقطيعه ونبره وتوتره المعنوي
كما تعتمد هذه القصيدة على الانزياح البلاغي وتكثيف الصورة بالإضافة إلى التناص والمفارقة والتركيب التأويلي كأدوات لصناعة الشعرية
لكن المشكلة لا تكمن في الشكل وحده
وإنما في ضعف الممارسة الكتابية أحياناً حيث باتت قصيدة النثر ملاذاً لمن لا يملكون أدوات الوزن أو لا يتقنون الصناعة الشعرية الأصيلة
ما أفرز طوفاناً من الكتابات السطحية التي تشوه التجربة الحقيقية لقصيدة النثر وتغذي الاتهامات التي تلاحقها منذ نشأتها
وفي الوقت ذاته لا يمكن إنكار أن هناك تجارب شعرية عظيمة كتبت ضمن هذا الشكل مثل #ما #قدمه (أنسي الحاج )(وأدونيس) (ومحمد الماغوط) (وسعيد عقل) حيث استطاعوا تأسيس جمالية موازية تبرهن على أن الشعرية لا تختزل في الوزن بل تتجلى في المجاز العميق واللغة المنفلتة من أسر العادة والتركيب المدهش
وتواجه قصيدة النثر كذلك إشكالاً نقدياً مرتبطاً بسؤال التلقي إذ أن كثيراً من القراء يعانون في التعامل مع نص لا يتيح لهم مؤشرات إيقاعية واضحة ولا يقدم خطاباً شعرياً مألوفاً ما يجعل عملية الفهم والانخراط الجمالي أكثر تعقيداً ويستدعي قارئاً مدرباً على تفكيك الإشارات النصية وتتبع الحقول الدلالية
من هنا فإن إشكالية قصيدة النثر ليست في وجودها بل في شرط تحققها الجمالي فهي إمكانية مفتوحة للشعر وليست نفياً له لكنها تتطلب جهداً إبداعياً مضاعفاً ووعياً فنياً ينهض على ركيزة من المسؤولية الجمالية والفكرية لا على مجرد الرغبة في الكتابة بلا ضوابط
#تبقى #قصيدة #النثر حتى اليوم موضع جدل لا ينتهي بين مؤيد يرى فيها انبثاقاً جمالياً جديداً ومعارض يعدّها خروجاً عن جوهر الشعر وما قدمته هنا ليس أكثر من إشارة أولية أو إضاءة بسيطة على بعض ملامح الإشكالية انطلاقاً من خبرتي ورؤيتي الثقافية تاركةً المجال مفتوحاً لقراءات أعمق ومناقشات أوسع لأن قصيدة النثر لم تُغلق بعد أسئلتها بل تظل في حالة اختبار دائم للشعرية ولقدرة اللغة على أن تدهشنا من جديد
#ولذلك #يمكن القول إن قصيدة النثر ليست أزمة جنس أدبي بل هي اختبار مستمر لمفهوم الشعر نفسه ولقدرة اللغة على أن تنتج دهشتها خارج المعايير الكلاسيكية
إنها ليست بديلاً عن الشعر بل انبثاق جديد له بشرط أن تبقى مخلصة لجوهر الشعرية لا لأهواء الكتابة المجانية
#مرشدة #جاويش
سأرفق معها دراسة الدكتور يحيى يشاوي حول قصيدة النثر وتعليقه القيم على مقالتي بمقال له
…
هذا هو المقال مع الترجمة للغة الفرنسية :
قصيدة النثر بين حدود النثر وآفاق الشعر: قراءة مقارنة عربية وفرنسية
منذ أن وُجد الشعر في جميع اللغات، وهو يتقدّم بوصفه التعبير الأرقى عن دهشة الإنسان أمام الوجود. لم يكن الشعر يوماً ملكاً للوزن وحده، ولا للقافية التي تؤطّر الأذن بإيقاعها، بل كان في جوهره طاقة لغوية قادرة على تحويل الكلمة إلى صورة، والعبارة إلى رعشة، والصوت إلى أثر يتجاوز حدود المعنى. في الصين القديمة كما في بلاد الرافدين، في اليونان كما في الصحراء العربية، ظلّ الشعر يسكن اللغة كروحها السرّية، ويذكّر البشر بأن الكلام يمكن أن يكون جسراً إلى الجمال، لا مجرد وسيلة للتواصل.
خبرتي الطويلة في الشعر الفرنسي، بدءاً من بودلير الذي دشّن قصيدة النثر الحديثة في Petits poèmes en prose، إلى رامبو الذي وسّع آفاق اللغة الشعرية، تجعلني أقرأ المقالة العربية للدكتورة مرشدة جاويش بزاويتين متوازيتين: الأولى تنطلق من التجربة الغربية التي شرّعت هذا الشكل منذ القرن التاسع عشر بوصفه حرية جمالية جديدة، والثانية تنبثق من السياق العربي الذي ما زال يتجادل حول شرعية قصيدة النثر، وكأنها طارئة أو دخيلة، على الرغم من أن شعراء مثل أنسي الحاج، الماغوط، وأدونيس قد أثبتوا أن الشعرية ممكنة بلا وزن تقليدي.
ترى جاويش أن قصيدة النثر لم تكن نزوة عابرة، بل استجابة عميقة لحاجة داخلية إلى الحرية. فهي لم تأت لتلغي الشعر، بل لتزيح ثقل الإيقاع الخارجي وتستبدله بإيقاع آخر يسري في النسيج الداخلي للنص: في توزّع الجمل، في التوترات الدلالية، في الانفعال الصوتي الذي لا يُقاس بالمتر العروضي، بل يُحسّ بالنبض. وهذا الإيقاع الداخلي يشبه ما فعله بودلير في قصائده، حين نقل الموسيقى من الوزن الخارجي إلى نبض اللغة الداخلية، وحوّل تفاصيل الحياة اليومية إلى وهج شعري. وفي العالم العربي، نجد تجارب أنسي الحاج والماغوط وأدونيس التي تعكس قدرة اللغة على خلق صور مكثفة ودلالات متشابكة، بنفس مستوى الإبداع والحرية التي أبدعها الشعر الفرنسي، لكنها تأتي في سياق ثقافي ولغوي مختلف، حيث ما زالت قصيدة النثر تواجه سؤال الهوية والتحقق الجمالي.
اللغة في هذا الشكل الجديد لم تعد مجرد وسيلة للتوصيل، بل صارت فضاءً للدهشة. فهي تنزاح عن المألوف، تكثّف صورها حتى تغدو الجملة شرارة، وتستدعي تناصات ومفارقات تجعل النص مفتوحاً على احتمالات لا نهائية. وهذه الخاصية هي جوهر ما أطلق عليه جان كوهن وظيفة الشعرية (la fonction poétique): اللغة لا تعمل فقط لتوصيل معنى، بل لتوليد أثر جمالي يدهش القارئ ويستثير خياله. بالمثل، في النصوص العربية نجد أن الشعرية تعتمد على الانزياح البلاغي، والصورة المكثفة، والتناص، لتصبح النصوص مساحة مفتوحة على التأويل والدهشة.
غير أن هذا التحرر من الوزن لا يمرّ من دون ثمن. فالقارئ الذي اعتاد على العلامات الإيقاعية الخارجية يجد نفسه أمام نص بلا إشارات مألوفة، نص يطالبه بأن يشارك في صنع موسيقاه الداخلية، وأن يتتبع الحقول الدلالية بنفسه. قصيدة النثر لا تمنح قارئها راحة السماع، بل تشركه في مغامرة التأويل، وتجعل القراءة نفسها فعلاً إبداعياً موازياً للكتابة. وهنا يتجلى الفرق بين التجربة الفرنسية التي اكتسبت قارئها منذ القرن التاسع عشر، وبين التجربة العربية التي ما زالت تبحث عن قارئ مؤهّل لالتقاط إشاراتها الدقيقة.
بين هذا الفضاء الرحب، يتسلّل أيضاً خطر كبير: أن تتحول قصيدة النثر إلى ذريعة للكتابة السهلة. فكم من نصوص تتكئ على الاسم ولا تمتلك أدوات الشعرية، فتخرج لنا نثراً عادياً متكسراً بلا روح. لذلك تؤكد جاويش أن القضية ليست في الشكل، بل في الوعي الجمالي والفني الذي يحمله الكاتب، وفي مسؤوليته تجاه اللغة والدهشة معاً. وهنا أيضاً يمكن استدعاء التجربة الفرنسية، حيث فشلت محاولات عديدة في تقليد بودلير أو رامبو، لأنها لم تمتلك شرط العمق أو الكثافة الشعرية، فانتهت إلى نثر مزخرف بلا جوهر شعري.
هكذا لا تبدو قصيدة النثر أزمة أدبية بقدر ما هي اختبار مفتوح للشعر ذاته: اختبار لقدرة اللغة على أن تظلّ دهشة، ولقدرة الشاعر على أن يظلّ أميناً لجوهر الشعر، لا لمجرد زخارفه الشكلية. إنها ليست بديلاً عن الشعر، بل ولادة أخرى له، ولادة تشهد أن الشعر لا يقاس بالوزن وحده، بل بقدرته على تحويل المألوف إلى استثنائي، والعادي إلى مدهش، والكلمة العابرة إلى ومضة تبقى في الذاكرة.
وفي خاتمة هذا الأفق، يمكن القول إن قصيدة النثر، سواء في الغرب أو في العالم العربي، ليست سوى سؤال الإنسان نفسه: كيف نحول ما لا يُقال إلى ما يُسمع، وكيف نصغي إلى الصمت حين يتكلّم؟
يحي يشاوي
الترجمة للفرنسية
Le poème en prose entre les limites du texte et les horizons de la poésie
Depuis que la poésie existe dans toutes les langues, elle demeure l’expression la plus pure de l’émerveillement humain devant le monde. La poésie n’a jamais été seulement rythmée par le mètre ou enfermée dans la rime ; elle est, dans son essence, une énergie linguistique capable de transformer le mot en image, la phrase en frisson, le son en empreinte qui dépasse le sens.
Mon expérience du poème en prose français – de Baudelaire, pionnier avec ses Petits poèmes en prose, à Rimbaud et son audace langagière – me permet de lire le texte de Dr. Morshudqa Jawich sous deux angles : l’un, la tradition occidentale qui a légitimé cette forme dès le XIXe siècle comme liberté esthétique ; l’autre, le contexte arabe où le poème en prose continue d’interroger son identité et sa légitimité, même à travers les œuvres majeures d’Ansi Al-Hajj, Mohammad Al-Maghout et Adonis.
Le poème en prose n’est pas une rébellion contre la poésie mais contre la rigidité extérieure du rythme. Il cherche un rythme intérieur : dans la distribution des phrases, dans la tension des sens, dans le souffle sonore qui ne se mesure pas au mètre mais se ressent comme un battement. Comme Baudelaire transformait la vie quotidienne en éclats poétiques, les poètes arabes créent des images denses et des significations imbriquées, révélant la poésie dans la liberté et la concentration du langage.
La langue cesse d’être simple moyen de communication : elle devient espace d’étonnement. Elle s’écarte de l’ordinaire, condense les images jusqu’à ce que chaque phrase devienne une étincelle, convoque allusions et paradoxes, ouvre le texte à des possibles infinis. C’est la fonction poétique telle que l’a définie Jean Cohen : le langage ne se limite pas à transmettre un sens, il produit un effet esthétique qui surprend et émeut le lecteur. Les textes arabes accomplissent la même magie : éloignement du langage conventionnel, densité, allusions, et ouverture au multiple.
Mais cette liberté n’est pas sans risque. Le lecteur habitué aux repères rythmiques traditionnels se trouve face à un texte dépourvu d’indices familiers, obligé de participer à la création de sa musique interne, de suivre les champs de sens par lui-même. Le poème en prose engage le lecteur dans l’aventure de l’interprétation, transformant la lecture en acte créatif parallèle à l’écriture. Là réside la différence : en France, le lecteur et la forme se sont trouvés depuis le XIXe siècle ; dans le monde arabe, le lecteur doit encore apprendre à capter les subtilités du texte.
Entre cet espace ouvert surgit aussi le danger : que le poème en prose devienne prétexte à une écriture facile. Combien de textes s’appuient sur le nom sans posséder les outils de la poéticité, donnant un simple prose fragmentée, sans souffle ni intensité. Jawich insiste : la question n’est pas la forme, mais la conscience esthétique et la responsabilité de l’auteur face au langage et à l’émerveillement. Même en France, les tentatives de reproduction ont échoué quand elles manquaient de profondeur ou de densité poétique.
Ainsi, le poème en prose n’est pas une crise littéraire mais un test ouvert de la poésie elle-même : test de la capacité du langage à rester étonnant, test du poète à rester fidèle à l’essence poétique. Il n’est pas substitut à la poésie, mais sa naissance renouvelée, prouvant que la poésie ne se mesure pas au mètre seul, mais à sa puissance de transformer l’ordinaire en extraordinaire, le banal en fascinant, et le mot fugitif en étincelle mémorable.
Au bout de ce chemin, on peut dire que le poème en prose, qu’il soit français ou arabe, n’est rien d’autre que la question de l’homme : comment transformer ce qui ne peut être dit en ce qui peut être entendu, et comment écouter le silence quand il parle ?
Yahya Yachaoui