حمزه الحسن يكتب : لص واحد، عاهرة واحدة

أدان القضاء الفرنسي الرئيس ساركوزي بتهمة التآمر الجنائي في قضية التمويل الليبي، وقضى بالحكم عليه بالسجن 5 سنوات لكنه لم يحكم عليه لأوامره بقتل القذافي وهو حي في الأسر لاخفاء الحقائق، ولا تدمير ليبيا بلا أي قرار من مجلس الأمن. تم انقاذ النظام والتضحية بساركوزي وهذه طريقة تقليدية في نظم الغرب.
قبل ساركوزي في عام 1997 هزت فرنسا فضيحة كبرى،
عندما تم القبض على كريستين جونكور التي كان زوجها يدفعها للعمل
في شركة نفط: الف ــ كيتن، وتمارس الاستغلال الجنسي،
كمنسقة للعلاقات بين الشركة ووزارة الخارجية التي كانت بقيادة الوزير رولان دوما اقوى وزراء الخارجية في حكومة الرئيس ميتران، وعشيقة الوزير بدفع من زوجها.
إسمها ” كريستين دوفييه جونكور “، وهي التي اطلقت على نفسها لقب “عاهرة الجمهورية”. وهو اسم الكتاب الذي يضم بين دفتيه مذكراتها، رغم معارضة كل من حواليها.
” قصدت بهذا أن تبصق على الرجال الذين عرفتهم في حياتها وحولوها من فتاة ريفية بسيطة إلى عاهرة يدفعها زوجها إلى فراش كبار المسؤولين والوزراء ورجال الاعمال، ليمرر صفقات شركة البترول التي يعمل بها، ثم دخلت عالم “بيزنس السلاح “.
كان الرجل الذي هام بها حباً ووضع تحت قدميها قلبه ونفوذه هو “رولان دوما” وزير خارجية فرنسا، وأقوى رجل في حكومة الرئيس فرانسوا ميتران.
حوالي 44 رجلاً كانوا يدورون حولها، وكل منهم يحمل اللقب المحبب للنساء “مليونير أو ملياردير” ووزراء ورجال أعمال، بل وحتى رؤساء جمهوريات وشيوخ بترول عرب ، بهرتهم بجمالها الفذ، فوقعوا عقود البترول والسلاح بفناجين القهوة وعلاقات المفاتيح وأصابع اليدين والرجلين.
وعندما جاء اوان الفضيحة هربوا جميعاً ـــــــــــ كما في حالة ساركوزي ـــــــــ وانفضوا من حولها وأنكروا معرفتها، حتى الشركة التي كانت تعمل بها مديرة للعلاقات العامة، والتي دفعها زوجها اليها، ثم دفعها الى احضان الباقين ادعت ان هذه السيدة (كرستين جونكور) لم تكن موظفة فيها قط..
عندما انكشفت الصفقات وبدأت حكومة فرنسا تبحث عما جرى كان لابد من البحث عن كبش فداء، وتآمر المال والسلطة على الإيقاع بها، فاجتاح رجال البوليس مسكنها ومزقوا كل ما وجدوه وصادروا كل شيء واقتادوها للسجن، فكتبت مأساتها في كتاب سمته “عاهرة الجمهورية”.
قررت كريستين أن تعري الجمهورية بعد خروجها محطمة من السجن
وتلقنهم درساً علنياً عن معنى العهر السياسي.
محظوظة فرنسا فيها عاهرة سياسية واحدة في الجمهورية ولص واحد: لكن ماذا في نظم العالم العربي؟
كريستين الحسناء لم تدخل الى رجل مال وشيخ نفط عربي ومصارف،
إلا وتتركه يوقع على العقود بكل ما يملك من علاقة مفاتيح ومن أقرب ختم أو قدح قهوة أو عكال أو حتى يبصم بخلفيته.
لكن كل هؤلاء خرجوا كالشعرة من العجينة وعددهم تجاوز الـــ 44 وزيراً ومسؤولاً كبيراً،
بل خرج النظام سليماً من الفضيحة لتقع كريستين في المصيدة،
وتشرشح ويشهر بها أمام وسائل الاعلام، وتسجن في سجن النساء المجرمات من القاع الأسفل، وتشاهد على تلفاز السجن صورتها وهي تقطّع أمام الناس وسط سخرية
بنات الليل والسيكوباتيات واللصات في السجن، فالجميع ملائكة عدا كريستين والتهم:
نصب واحتيال، تكتم، رواتب وهمية، استغلال جنسي .
تقول:
” أظهرت أسلحتي غير المتكافئة عديمة الجدوى، في معركة الأسود”.
عندما خرجت من السجن قررت خوض معركتها من خلال محاكمة أمام الرأي العام في توثيق سيرتها في نص سيروي جريء وفاضح:
” عاهرة الجمهورية”
وسط معارضة الاهل والابن من هذا العنوان لكن ليس لديها ما تخسره،
ولكي تثبت ان الاستغلال السياسي هو الأخطر من الاستغلال الجنسي،
ودعارة السياسة أخطر من دعارة الجنس، لكن ما أن يغرق المركب، تقول:
” يتركه الرجال ويجدون إمرأة يسجنونها في قعر المركب،
لكي تغرق لوحدها”.
تكشف كريستين في سيرتها تعاون النظام مع الشركات وتبادل المنافع الشخصية، وكيف يتم استغلال الدول النامية من خلال الجسد وكيف يبيع هؤلاء الاثرياء ثروة شعوبهم لاجل ليلة واحدة، في لعبة” الأرض المحروقة” المغطاة بشعارات زائفة،
لأن رجال السلطة كما تقول لا يمكن الامساك بهم عند خروجهم من البيت،
يملصون بخفة:
” هل هم في الطريق الى القصر الجمهوري؟ الى عشاء؟ الى عشيقات؟
هؤلاء الرجال غير قادرين على الابتكار، وما السلطة إلا تعويض عن شعورهم بالنقص”. تقول.
تتساءل كريستين هل كانت هي العاهرة الوحيدة في جمهورية الملائكة؟
العنوان الرئيس في كل الصحف: كريستين ، جنس، شركات، مافيات،
ولكن ماذا عن النظام الذي نسج خيوطه حول رقبتها؟ ماذا عن الزوج الديوث؟
اذا كانت فرنسا قد اكتشفت في نظام ديمقراطي وثقافة تاريخية رصينة،
عاهرة واحدة سيقت الى المحرقة ولصاً واحدا هو ساركوزي،
فكم عاهرة ملحقة بالساسة عندنا أقل كفاءة وذكاءً من كريستين وكم لص؟
تعرض محطات التلفزة كل مرة نساء حثالات يتحكمن برجال من الاجهزة الامنية والمصرفية والسياسية امام جمهور غير مكترث تماما،
بل يهددن كل ضابط او شرطي قام بواجبه بنقله الى ابعد مكان من خلال شبكة علاقات فاسدة،
وعدم الاكتراث مناخ مثالي لازدهار كل انواع الفساد والجمهور شريك وليس ضحية لأن لا جريمة بلا مناخ الصمت او لغة تبرره او ما يعرف بـــ ” الصمت المتواطئ”.
من سوء الحظ أن عاهرات نظمنا مع الانحطاط الأخلاقي، لا يمتلكن موهبة وشجاعة وثقافة كريستين،
وليس عندهن ما يتباهين به غير أجساد رخيصة للمال أو البحث عن مكانة،
وبعضهن لا يحتجن المال بل البحث عن نفوذ وسلطة للتعويض
عن دونية داخلية ونفوس محطمة تختنق بلا وقود واطراء وشاحن من صاحب جاه ومكانة،
وحتى مفرغات من الجنس الطبيعي لأن شرطه الحب: عاهرة واحدة في فرنسا هزت الجمهورية،
وعندنا من هذا الصنف من العاهرات في السر والعلن ما يكفي كجيش لغزو اسرائيل واعادة الاندلس والاسكندرونة لكن جمهوريتنا لا تهتز ولا تتهيج إلا من قصيدة أو قصة حب أو سيرة عاطفية لرجل أعزل.