رؤي ومقالات

دراسة تفكيكية فلسفية/للناقدة السورية مرشدة جاويش في نص للشاعر محمد خالد النبالي/الأردن

شكرًا للشاعرة والناقدة مرشدة جاويش، على قراءتك النقدية العميقة والمُلهمة التي أثرت تجربتي الشعرية.في فصيدتي ” نافذة البحر ”
#نافذة #البحر
#دراسة #تفكيكية #فلسفية #عجولة #لدلالة #العنوان #والبنية #النصية عند أ. محمد خالد النبالي
#النص:
“نافِذَةُ البَحْر”
فِـي ذَاتِ صَـبَـاحْ
جَـاءَ الـنُّـورُ وَفَـاضَ وَبـَاحْ
فِـي ذَاتِ صَـبَـاحْ
كُـنْـتُ بـِنَـافِـذَةٍ ، طَـلَّـتْ فَـوْقَ الـبَحْـرِ
لِـتَـنْـظُـرَ كَـيْـفَ تـَكُـونُ نـِهَـايـَةُ
هَـذَا الكَـونْ
فِـي ذَاتِ صَـبَـاحٍ
مَـا كَـانَ اللَّـوْنُ بـِمِـثْـلِ اللَّـونْ
وَخَـرَجْـتُ لِـنَـافِـذَتـِي
أَنـْظُـرُ هَـلْ بـَحْـرُ الأَرْضِ
يـُخَـبِّـرُ عَـنْ كُـنْـهِ المجْـهُـولْ ؟!
لَـكِـنَّ الـبَحْـرَ يـَظَـلُّ يـَقُـولْ :
سِـرِّي لَـنْ يـَظْهَـرَ حَـتَّـى تـَتَـبَعْـثَـرَ كُـلُّ الأَوْرَاقِ
بـِكُـلِّ غُـصُـونِ الأَشْجَـارِ
بـِأَزْمِـنَـةِ خَـرِيـفْ ..
الـبَحْـرُ يـَقُـولُ ، بـِأَنَّ العَـالَـمَ
أَمْـرٌ مَـطْـوِيٌّ
مَـنْ يـَبْـحَـثُ فَـالسِّـرُّ مُـخِـيـفْ
مِـن نـَافِـذَةِ اللَّـيْـلِ
وَنـَافِـذَةِ الإِصْـبَـاحِ أُطِـلْ
وَالـنُّـورُ يـَجِـيءُ
وَحَـتَّـى الإِظْـلاَمُ يـَهِـلْ
وَأُسَـائِـلُ دَوْمًا هَـذَا الـبَحـرْ
قُـلْ لِـي عَـنْ فَـرْقٍ
بـَينَ
الموْتِ وَبَيْنَ
الـنَّحْـر ؟!
قُـلْ لِي .. :
مَـا الـفَـرْقُ هُـنَـا
بـَينَ فَـنَـاءٍ
وخُـلُـودْ ؟
مَـا الـفَـرْقُ ،وَقَدْ فَاضَ عَلَـيَّ
بِبـَيْنِ غِـيَـابٍ
وَوُجُـودْ ؟
لَكِـنَّ الـبَحْـرَ كَمَيْتٍ
لَـيْـسَ يـُجِـيـبْ
لَكِـنَّ الـبَحْـرَ غَـرِيـبٌ ، وَمُـرِيـبٌ ، وَعَجِيبْ
الـنَّـهْـرُ جَـمَـالٌ وَحَـيَـاءٌ
وَالـبَحْـرُ عَـمِـيـقُ الأَسْــرَارْ
مِـنْ نـَافِـذَةِ الـبَحْـرِ
اعْـتَـدتُ سُـؤالاً ..
وَجَـوَابُ الـبَحْـرِ
يـَجِـيءُ كَـخَـوْفِ نـَهَـارْ
هَلْ أسْألُ
مَـا الـفَـرْقُ إذًا بـَينَ جَبَانٍ وسِواهُ يَكِرْ ؟
هَلْ أسْألُ
مَـا الـفَـرْقُ صَدِيقِي
بـَينَ الـحِـقْـدِ وَبَيْنَ الـبِـرْ ؟
لِيـَضِـيـعَ الصَّـوْتُ .. تَلاشَى الضَّـوْءُ
فَمَاتَ السِّــرْ
محمد النبالي
ديوان ( قصة الخريف )
الصورة على شاطئ عكا 2017
#المدخل #المنهجي
تستند هذه الدراسة إلى منهج التحليل التفكيكي والفلسفي للنص الشعري بحيث يُنظر إلى النص على أنه شبكة معقدة من الرموز والصور مع الأسئلة الوجودية
التي تُولّد مستويات متعددة من المعنى
يعتمد المنهج على تفكيك النص إلى عناصره الأساسية المشهد الشعوري والصور الحسية والحوار الداخلي والخارجي والإيقاع اللغوي مع استقراء البنية الرمزية والفلسفية لكل عنصر ثم إعادة بناء النص ككل ضمن قراءة شاملة تكشف البعد الوجودي واللغوي والفلسفي للنص
فالمنهج التفكيكي هنا يتيح النظر إلى النص لابأنه رسالة مغلقة إنما يعتمده كفضاء مفتوح للتأويل والتجربة الشعورية والفكرية ويعتمد على الربط بين البنية اللغوية والرمزية والفلسفة الشعرية التي تتناول الموت والفناء مع الخلود والغموض الكوني وتساؤلات الوعي الذاتي
#مقدمة #للنص
يعد نص (نافِذَةُ البحر) للشاعر العميق محمد النبالي نموذجاً للشعر الحديث الذي يدمج بين البعد الوجداني والفلسفي ويجسد تجربة التأمل في الوجود والكون عبر لغة غنية بالصور والاستعارات الرمزية
وينفتح النص على صباح مشرق وبحر ممتد ليخلق فضاءه الشعوري والفكري إذ تتفاعل فيه الذات مع العالم الطبيعي ليصبح البحر رمزاً لذاك الغموض الكوني والأسرار الوجودية
بينما النافذة تمثل حافة الوعي الإنساني وحدود الإدراك
ويمتاز النص بالأسلوبية الحوارية بين المتحدث والكون عندما يتحول البحر إلى ماهية متحدثة يعكس سرّ الحياة والمجهول في حين تُطرح أسئلة وجودية مباشرة حول الموت والفناء والخلود
مما يجعل القارئ يعيش لحظة تساؤل فلسفي مفتوح ونرى أن اللغة الشعرية للنص متكاملة تجمع بين الإيقاع الداخلي والتكرارية الصورية البصرية والسمعية والمفارقات بين النور والظلام مع الفناء والخلود ما يعطي النص كثافة وجدانية وفلسفية عميقة
#العنونة #وأهميتها في نص (نافِذَةُ البحر)
إن العنوان هو البوابة الأولى للنص وهو العنصر الذي يهيئ القارئ لمواجهة المعنى ويوجه تأمله ويحدد الإطار الرمزي للنص
في نص الاستاذ النبالي:
1. دلالة العنوان الرمزية:
(نافِذَةُ البحر) ليس لها ذاك التوصيف البسيط لمكان مادي غير انها رمز لحدود الوعي الإنساني ومكان التأمل في الكون والأسرار الوجودية فالنافذة هنا تمثل حافة الذات التي تطل على العالم
بينما البحر يمثل السر الكوني والمجهول العميق
وبهذا يصبح العنوان جسراً بين الذات والكون
أي بين الحسي والمعنوي
وأيضاً بين السؤال والسرّ
2. دور العنوان في توجيه القراءة:
العنوان يهيئ المتلقي أو القارئ لتجربة النص كـحوار مع الغموض والوجود فلا يقتصر على الوصف الشعري فقبل أن يقرأ النص يتوقع القارئ رحلة استكشافية في أسرار البحر والكون والذات مما يزيد من التوتر الشعوري والفلسفي داخل النص
3. العنونة كأداة فلسفية وجمالية:
العنوان يساهم في تشكيل إطار رمزي للقراءة حيث تصبح كل صورة وكل سؤال في النص امتداداً للنافذة والبحر
كل الإيقاعات والتكرارات والتناقضات في النص تعكس هذه العلاقة الثنائية بين المراقب (المتحدث) والكون (البحر) مما يجعل العنونة عنصراً مركزياً في بناء النص الشعوري والفكري
4. العنونة وسحر الغموض:
اختيار عنوان مفتوح ودالّ مثل (نافِذَةُ البحر) يترك مساحة واسعة للتأويل ويتيح للنص أن يكون حاضناً للعديد من القراءات
فالعنوان هنا ليس محدداً بمعنى واحد بل هو دعوة للقارئ للتفاعل مع النص والانخراط في البحث عن السرّ والفلسفة المضمرة بين السطور وهذا نحيله للاقتدار التأويلي في لغة الناص المبدع
#فالعنوان في نص شاعرنا أبعد من أن يكون مجرد تسمية إنما يتجاوزه إلى تأويله كعنصر فلسفي وجمالي محوري يفتح النص على مساحات التأمل والغموض ويحدد الإطار الرمزي الذي تتحرك فيه الصور الشعرية والأسئلة الوجودية
إنه النافذة التي يطل منها القارئ على البحر الداخلي للنص والرحلة الوجودية التي يتابعها مع الشاعر
#الولوج #العام
ينفتح النص من البداية على مشهد شعري بصري
ووجداني عندما نجد أن الضوء والفجر من خلال السياق أعمق من أن يكونا عناصر طبيعية بل يرمزان إلى البدايات الوجودية والوعي اللحظي كما الجملة الأولى:
(فِـي ذَاتِ صَـبَـاحْ جَـاءَ الـنُّـورُ وَفَـاضَ وَبـَاحْ)
إنها تضع القارئ أمام انفجار شعوري وضوئي وكأن النور نفسه يحمل القدرة على الإفصاح عن سر الحياة الكوني وإن استخدام فعلَي (فاض وباح) يعطي شعوراً بالحركة والانسكاب
وكأن الكون كله يُعلن عن ذاته بينما الناص يظل مراقباً من نافذة في حالة تأملية توازن بين الذات والعالم
فالنافذة في السياقية النصية لم تكن كدلالة على إطار مادي لكنها تحال كرمز للمراقبة والوعي والحد الفاصل بين الداخل والكون حين يقول:
(كُـنْـتُ بـِنَـافِـذَةٍ، طَـلَّـتْ فَـوْقَ الـبَحْـرِ لِـتَـنْـظُـرَ كَـيْـفَ تـَكُـونُ نـِهَـايـَةُ هَـذَا الكَـون)
ويتجلى القلق الفلسفي حول النهاية والوجود في محاولة لاستكشاف ما وراء المشهد الملموس أي ما وراء البحر وما وراء الوعي اليومي
فالبحر هنا كما يظهر لاحقاً هو رمز السرّ العميق والمجهول الكوني:
(لَـكِـنَّ الـبَحْـرَ يـَقُـولُ: سِـرِّي لَـنْ يـَظْهَـرَ حَـتَّـى تـَتَـبَعْـثَـرَ كُـلُّ الأَوْرَاقِ…)
فالبحر هو المتحدث الغائب والحاضر وأيضاً الحكيم الغامض حامل الأسرار المطلقة
هذا التمثيل يجعل النص أكثر اقتراباً من الشعر الميتافيزيقي إذ أن الطبيعة تتحول إلى كيان ذكي قادر على الحوار على عكس الشعر الوصفي التقليدي
ونرى أن الشاعر يمعن في تجربته الرمزية الوجودية ويتبلور ذلك في نصه هنا الذي يطرح أسئلة وجودية مباشرة لكنها مشبعة بالرمزية:
(قُـلْ لِـي عَـنْ فَـرْقٍ بـَين المَوْتِ وَبَيْنَ الـنَّحْـر؟)
(مَـا الـفَـرْقُ هُـنَـا بـَين فَـنَـاءٍ وخُـلُـودْ؟)
فالأسئلة هنا تحمل ازدواجية فلسفية عميقة:
الموت والفناء مع الوجود والغياب والحقائق المادية والمعنوية
فالبحر لا يقدم إجابة مباشرة إنما يترك الفراغ والحيرة
مما يعكس فلسفة القدير النبالي القائمة على التساؤل أكثر من الإجابة
وعلى الانفتاح على الغموض أكثر من الحسم
فاللغة التي يستخدمها الشاعر مشبعة بالمعاجم الغنية بالرموز مثل :
(السر) (الغياب) (الوجود) (النهار) (الإظلام) (الضوء) كلها أدوات نصية تضيف طبقات متعددة من المعنى وتحيل النص لتأويلاته العالية
ويلفتنا أيضاً التكرار (في ذات صباح) يعكس الحركة الدائرية للوعي الزمن واستمرارية التأمل
وإن التنقل بين ضمائر المتحدث: (أنا) و(البحر) يجعل الحوار بين الإنسان والكون مجسداً نابضاً ويخلق شعوراً بالتماهي والتفاعلية مع الطبيعة
أما لو نظرنا من الناحية البنائية فالنص متسلسل ديناميكياً ويحاكي تيار الوعي إذ يذهب من الصورة البصرية (النافذة- البحر- النور) إلى التساؤل الفلسفي ثم يعود إلى الملاحظة الذاتية وفي كل مرة يُعاد اكتشاف البحر كرمز عميق للأسرار الكونية
#الختام الشعري للنص:
يتجسد وهجه في:
(لِيـَضِـيـعَ الصَّـوْتُ .. تَلاشَى الضَّـوْءُ فَمَاتَ السِّــرْ)
فهنا قمة البناء الدرامي للنص حين يصل النص إلى لحظة الفراغ والخيبة الوجودية:
كل البحث وكل السؤال وكل المراقبة تصل إلى نهاية صامتة
حيث السر يبقى مختبئاً والنور يذوب في الظلام
هذا يخلق إحساساً بالغموض الكوني ويضعنا أمام إشكالية الإنسان في مواجهة الكون الرغبة في المعرفة واللامحدودية مقابل الغموض المطلق
#بالمجمل نص (نافِذَةُ البحر) هو رحلة شعرية وفلسفية متكاملة تبدأ بالضوء الصباحي مروراً بالحوار مع البحر وصولاً إلى التساؤلات الكبرى حول الموت والفناء والخلود وإلى الوعي والمعرفة الذاتية والفلسفة الحية
فالعنوان (نافذة البحر) شكل إطاراً تأويلياً وجه القارئ نحو النص وأتاح تعدد مستويات القراءة من الشعورية إلى الرمزية ومن الفردية إلى الكونية
والتحليل التفصيلي كشف عن تدفق اللغة والموسيقى الداخلية والاستعارات الغنية والحوار الوجودي المستمر بين الشاعر والذات والكون فكل صورة وكل سؤال فلسفي يسهم في بناء تجربة شعورية وفكرية متكاملة تجعل المتلقي شريكاً في تلك الرحلة التأملية
أ. محمد خالد النبالي كانت له قدرته على مزج الشعر والفلسفة مع اللغة والموسيقى الداخلية والصور والاستعارات والأسئلة الوجودية في نص واحد نابض ومتكامل
فالنص نموذج للشعر الحديث الذي يفتح آفاقه التأملية الواعية والفلسفية ويجعل من القراءة تجربة حياة متكاملة بحيث يلتقي المعنى بالصور والفلسفة والشعور في نسق واحد حيّ ومؤثر
وفي ختام هذه الدراسة لا يسعنا إلا الإشارة إلى أنّ الشاعر الكبير محمد خالد النبالي بقصيدته (نافذة البحر) قدّم تجربة شعرية عميقة تجمع بين الحداثة والتجديد حيث تتجلّى رؤيته الفلسفية في بنية نصية متقنة ودلالات عنوانية غنية مما يؤكد مكانته كشاعر يثري المشهد الشعري المعاصر ويعيد صياغة الحس الشعري بعمق وتأمل
#مرشدة #جاويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى