رؤي ومقالات

بوابة اللوغس/للناقدة السورية المبدعة مرشدة جاويش

#بوابة #اللوغوس
كمستوى متقدّم من التحليل النقدي للفلسفة وإعادة تأويله في سياق النصوص الحديثة والحداثة النقدية
#تقدمة
تندرج هذه المقالة ضمن كتابي النقدي:
(أنقاض المعنى) الصادر عن دار نوافير للطباعة والنشر
وقد شكل مفهوم اللوغوس علامة أساسية في بعض قراءاتي النقدية إذ أقترب منه باعتباره حقلاً متحركاً يتبدل باستمرار ويستدعي التأويل والتفكيك والانزياح
هو عندي مجال تتقاطع فيه خبرتي المعرفية وثقافتي وانغماساتي الوجودية والجمالية في النصوص التي أقرأها وأعيد تأويلها
أضع هذه القراءة بين أيديكم على أمل أن تمسّ شيئاً من ذائقتكم وأن تضيء بعض العتمة المخبأة بين اللغة والوجود والمعنى
فليكن هذا العمل دعوة للغوص في فضاء الكلمة حيث لا يحتجز المعنى ولا يقفل
لكنها تُستكشف وتُعاد صياغتها في لحظة التأويل فتتحول القراءة إلى تجربة متحركة تتنفس وتتحرك كما يتحرك اللوغوس نفسه
على سبيل المثال في مقطع يبدأ بـ:
(في البدء كانت الكلمة ثم اختبأت في فراغ صداها)
يتجلى فيها اللوغوس كحقل متحرك حيث لا تستقر الكلمة على معنى ثابت هنا لكنها تتحرك بين حضور وغياب لتعيد صياغة المعنى في كل لحظة قراءة
فتتحول القراءة إلى مسرح من التأويل والانزياح يختبر القارئ في كل مرة
إذاً من هنا :
(#اللوغوس واللغة): بين التفكيك والسيمياء
/سيميائية اللوغوس ومفاهيمها/ :
اللوغوس كمفهوم يتفلت من نفسه
في زمن تفكك المرجعيات وانزياح المعاني إذ يصير (اللوغوس) مثل ضوء قديم يناور النظر ويراوغه إنه لا ينتمي إلى نظام لغوي واحد ولا يرتكز إلى تأويل فردي بل يتموضع كـ(غياب منظم) على حد تعبير (دريدا) يتخفى في طيات النص ويحدث في النطق آثار كلية لا تُرى
1. #اللوغوس والحضور: بين الهوية والفقدان
في البداية كان اللوغوس
ولكن وفقاً (لدريدا) لم يكن حاضراً قط كان صوتاً يريد أن يطابق نفسه أي أنه يتجلى بلا واسطة وأن يؤسس المعنى على أساس الحضور الصافي
ولكن #السيميائية تعرّي هذه الوهمة:
كل دال حتى (اللوغوس) لا يستقر بل يتزحزح ويحيل على غيره
وهذا يتفق مع تصور (بارت ) الذي أعلن (موت المؤلف) فأصبح اللوغوس بلا مولد مرجعي وبذلك يتحول إلى شبح تأويلي يقيم في نقطة عدم بين المعنى وغيابه
2. (هايدغر) وكتمان اللوغوس:
عند (هايدغر) اللوغوس ليس كلمة بل هو (#إنصات إلى كينونة الكلمة) هو ما يتحدث فينا قبل أن ننطق
إنه مبدأ المخاطبة لكنه أيضاً أصل التواري
ففي هذه الرؤية يكون (اللوغوس) صوت ما لم يُقل بعد
همسة الكينونة قبل أن تجسدها العبارة وعندما ننطقه نكون قد خنّاه لأن النطق هو سطوة الحدود على الممتنع
#تطبيق نقدي فلسفي على مفهوم اللوغوس
النص:
/#في البدء كانت الكلمة
ثم اختبأت في فراغ صداها
تراوغ معناها وتكسر شعر يقينها
لتعود نسياً في قميص النبوءة/
1. #دراسة اللوغوس كـ(فعل تغييب) نحو نقد دريدي
في افتتاحية النص يحيل التعبير
( في البدء كانت الكلمة) على استعادة واضحة لإنجيل يوحنا (في البدء كان الكلمة) أي حضور اللوغوس كمبدأ كينوني
/ ميتافيزيقي يساوي بين النطق والخلق
غير أن النص يفكك هذا المجاز منذ الجملة التالية: (ثم اختبأت في فراغ صداها)
يحدث هنا ما يسميه جاك دريدا بـ(#تفكيك الحضور) حيث تصبح الكلمة (اللوغوس) ذاتها موضوعاً للغياب
انعكاس لما لم يُقل تراوغ معناها ولا تستقر عليه بل تنقضه عبر التكلم المضاد
وبذلك يتحول اللوغوس من نواة دلالية إلى موقع للانفجار التأويلي يحيل دوماً إلى معنى غائب لا يمكن قنصه
2. #اللوغوس كـ( دال كبير)
٣. عن (لاكان) تجليه في الرغبة والفقدان
حين يقول النص:
(تراوغ معناها وتكسر شعر يقينها)
فإنه يعيد تموضع الكلمة داخل بنية الرغبة لا الدلالة
وفقاً (للاكان) فإن (اللوغوس) ليس مضموناً ناطقاً بل (الدال الكبير) الذي ينظم الرغبة ويؤسس الحكم الرمزي
هنا الكلمة لا تُقال كي تُفهم إنما لتحيل على غياب ما على (#نقصان بنيوي) يصيب الذات
إن الكلمة تكسر يقينها أي تجرّد نفسها من وهم الامتلاء وتقيم بدلاً من ذلك في صيرورة لا نهائية من الاستعصاء الرمزي حيث يصير كل معنى هو مجاز عن فراغ أعمق
3. (#غادامر) فيلسوف الهرمنيوطيقا
٤. وفعل الفهم: اللوغوس كحوار معلّق : عندما ينهي النص مقطعه بعبارة
(لتعود نسياً في قميص النبوءة)
فهو يدخل الكلمة في منطقة الغموض النبوي حيث لا يكون المعنى حاضراً بل يتشكل فقط من خلال فعل التأويل أي من خلال (حدث الفهم) إذاً عند #غادامر اللوغوس هنا ليس مضموناً إخبارياً
إنما هو تجربة هيرمينوطيقية تستدعي قارئاً متورطاً في زمن التأويل لا في يقين المعنى
(#قميص النبوءة) صورة تؤكد أن المعنى غير موجود بذاته
بل يُرتدى/يُحاك//يُتأوّل/ تماماً كما يُرتدى القميص دون أن يكون هو الجلد
4. #اللوغوس بين (بارت )(وهايدغر) : موت المؤلف ولكن من يتكلم؟
النص يفرغ الكلمة من سلطتها التقريرية ويمنحها مقاماً شعرياً يرتكز على الصدى والكسر لا على النطق وهو بذلك يجسد ما أشار إليه (رولان بارت) بأن الكاتب يموت لحظة كتابة النص فيصير (اللوغوس) ليس صوته بل شبكة من الدوال العمياء
لكن هذا يتقاطع مع قراءة (هايدغر ) الذي يرى أن (اللوغوس) لا يتكلم فينا بل نحن من نصغي له
ففي النص لا تتكلم الكلمة بل تختبئ ما يعني أن الحضور الأصيل للوغوس ليس في القول بل في التواري في انمحاء الذات الناطقة أمام الكينونة الخفية للكلام
5. #سيميائية اللوغوس (وكريستيفا) : نظم الرمز والدفع الشعري تشير (جوليا كريستيفا) الفيلسوفة والناقدة الفرنسية والبلغارية
إلى أن اللغة لا تُنظّم فقط من خلال قواعد نحوية بل عبر توتر دائم بين النظام الرمزي (القانون) والدافع الشعري (الرغبة) في هذا النص الكلمة (تراوغ) (تختبئ) (تنسى) أي تدخل في نسق شعري لا يخضع للقواعد المرجعية
بل ينبني على ما تسميه كريستيفا: (#العبور إلى اللامعقول)
هكذا يتجسد اللوغوس كـ(#نظام دال) لا ينتج المعنى بل يديم غيابه أو بالأحرى يخلق أثراً للمعنى لا يُستنفد
#اللوغوس بين المعنى والأثر:
#تفكيك الكلمة في فضاء الشعر الحديث
#توطئة #نظرية: اللوغوس بين المعنى والأثر
يعدّ مفهوم اللوغوس من أكثر المفاهيم الفلسفية إشكالية وثراءً في تاريخ الفكر الغربي حيث تراوح معناه بين العقل والكلمة والقانون والنظام والخلق منذ أن صاغه (هيراقليطس) في بواكير الفكر اليوناني مروراً (بأفلاطون) (وأرسطو) ووصولاً إلى (الفلسفة المسيحية ) التي تماهى فيها اللوغوس مع كلمة الإله المؤسسة للوجود
إلا أن هذا الامتياز #الميتافيزيقي للكلمة لم يبق بمنأى عن النقد فقد تصدت له تيارات تفكيكية وسيميائية وحداثية رافضة مركزية الحضور ومنكرة قدرة اللغة على الإمساك بـ(المعنى) بوصفه حضوراً خالصاً أو جوهراً مكتملاً
لقد بات اللوغوس في هذا الأفق أبعد عن التجلي للمعنى
إنما أحيل انزياحاً عنه و(أثراً) لغوياً يتعذر القبض عليه خارج سلسلة من الإحالات الدالة
تستند هذه المقاربة إلى مرجعيات فلسفية معقدة أبرزها:
تفكيك (جاك دريدا) لمركزية الحضور
قراءة (رولان بارت) لموت المؤلف
وتعددية الصوت تحليل (جوليا كريستيفا) لعلاقة اللغة بالرغبة واللاشعور (وهرمينوطيقا غادامر) حيث يصبح الفهم حدثاً لا اكتمالاً
وعليه فإن كل مقاربة حديثة للوغوس لا تعنى بتحديد ما هو (المعنى) بل بكشف كيف يتولد كبصمة وكيف يفلت من القبض عليه عبر تواريه أو تكسره أو تنصله من نسبه
وتفكيك الكلمة وتحويلها إلى علامة شعرية
في ضوء ذلك يتخذ هذا التطبيق النقدي من مقطع شعري حديث منطلقاً لتفكيك مفهوم اللوغوس وتتبع تمثلاته الجمالية والفلسفية مستعيناً بعدة عدسات نظرية تسائل: الغياب والفراغ والصدى والانمحاء والتأويل واللامعقول
إذ يغدو النص الذي يبدأ بـ(#في البدء كانت الكلمة ) تقويضاً لمركزية اللوغوس لا تكريساً لها
فهناك مفارقة إنشائية تفجر التوقع التقليدي لسلطة الكلمة
إذ لا تكون الكلمة في هذا السياق مطلقة وفاعلة بل تظهر كغريب يتكلمنا يشكّلنا ثم يتفلت منا في تحول هويّ وتأويلي دائم
فالنص يعيد تصوير اللوغوس لا كذات متعالية إنما (كـإنعكاس) مقيم في مجال الغياب ينفلت من الحضور ويتعذر الإمساك بجوهره
في ترسيم تفكيكي يجسد جغرافيا التأويل ويؤسس لجمالية اللايقين
#ويكشف تفكيك اللوغوس في الخطاب الشعري الحديث عن انزياح أنطولوجي ومعرفي يؤسس لفهم جديد للكلمة
لا من خلال حملها للمعنى لكن باعتبارها أثر يولد الدهشة ويفجر التأويل
فهناك في نصوص ما بعد الحقيقة تكون الكلمة قصية كـ(#نقطة غائبة) في فضاء التلقي تصغي إليها الذات خارج الفهم كي تفكك وتتفكك فيها
فاللوغوس كغريب يتكلمنا ويفلت من أسر المعنى
يجسد النص في مساره النهائي تجربة اللوغوس كنتاج يتراوح بين الحضور والغياب فالنصوص الحداثية بما فيها من فضاء اللايقين والتأويل اللامتناهي تسمح للكلمة أن تكسر قيود التأثير المباشر وتستجيب لرغبة الرمز في انسلاخها عن الثبات
وبهذا يكون اللوغوس بعيداً عن كونه مفتاحاً للفهم فهو مجالاً للاستكشاف والإبداع حيث نحن نحاول أن نسمع (غريبنا) ونفهم أن اللوغوس يتكلم بين السطوح والأعماق
فهذه الرحلة مع اللوغوس تظل مسرحاً حراً للتأويل والخيال وهي الدعوة الأساسية لكل قارئ يريد أن يتعرف على الكلمة كوجود متخلق ينبض ويتحول

#مرشدة #جاويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى