د.فيروزالولي تكتب :طُردت من العناية إلى “الحوش”… والكرامة على نقالة!

في مشهدٍ يفوق أقسى مشاهد الدراما وأكثرها انحدارًا، خرجت المريضة من قسم العناية المركزة لا إلى غرفة أخرى، بل إلى “حوش المستشفى”! نعم، كما تقرأ عزيزي القارئ، إلى الحوش، ثم على نقالة صدئة إلى خارج المستشفى، مرفقة بتهديد رسمي:
“لا تعودوا وإلا استدعينا الشرطة النسائية!”
يبدو أننا انتقلنا رسميًا من مرحلة “انهيار النظام الصحي” إلى مرحلة “انهيار الآدمية نفسها”، حيث لا يُعامل المرضى كبشر، بل كـ”أشياء زائدة عن الحاجة”، يُلقى بهم إلى الشارع إذا لم يكن في يدهم تحويل بنكي أو ورقة موقعة من مسؤول يعرف كيف “يتكلم مع الناس”.
في الصباح، الطبيب “الطيب” قال:
“جهّزوا أوراقها لحجز غرفة”،
لكن الليل لا يشبه الصباح في جمهورية الطب الحديث. الطبيب المناوب – الذي يبدو أنه خريج أكاديمية “ارمِهم ولا تبالِ” – اتخذ قرارًا جراحيًا عاجلًا: طردها! لا سرير، لا مكان، لا أمل… ولا حتى عذر محترم.
مريضة تُصارع الموت… لكن الموت نفسه لا يجد لها مكانًا لائقًا تموت فيه.
هل نحن في مستشفى أم في مسرح عبثي؟
وهل “الحوش” هو الامتداد الطبيعي لقسم العناية المركزة؟
هل أصبحت الأسرة للمحظوظين فقط؟ ولـ”الواصلين” فقط؟
هل ننتظر من المريضة أن تكشف لنا “واسطةً” في جيبها كي تُعاد إلى الداخل؟
أي نظام هذا الذي لا يجد سريرًا لمريضة على وشك الموت، لكنه يجد ألف مبرر لطردها؟
أي طاقم طبي هذا الذي يتحول من ملائكة رحمة إلى موظفي أمن؟
ثم لا تسألوا عن ثقة الناس بالمؤسسات، فالناس حين تُطرد من “العناية” إلى “الحوش” تفقد العناية والثقة معًا.
السؤال الأخطر:
لو كانت هذه المريضة زوجة عبد الملك الحوثي أو بنته أو أمه أو أي مسؤول، أو ابنة شيخ، أو قريبة نائب في البرلمان…
هل كانت ستُرمى على نقالة وكأنها غرض انتهت صلاحيته؟
لا أحد يتوقع من المستشفى أن يصنع المعجزات، ولا من الأطباء أن يخلقوا أسرة من العدم…
لكننا ننتظر القليل من الإنسانية، القليل فقط! أن لا تُهان امرأة في لحظة ضعفها، أن لا تُلقى في الخارج وكأنها عبء يجب التخلص منه، أن لا نُعامل كأرقام صفرية لا تساوي شيئًا إلا إذا وُقعت على دفتر النفوذ.
نعم، نحن نعيش في زمن يموت فيه الفقير على أبواب المستشفيات، وينام فيه المريض في الممرات إن وجد ممرًا أصلاً، وتُغلق الأبواب في وجهه إلا إذا كان يملك “بطاقة تعريف خاصة”… لا تُصدرها وزارة الصحة، بل وزارة المحسوبية.
في الختام…
المريض ليس متسولًا، وليس مجرمًا، وليس عدوًا للوطن، حتى يُلقى به في الشارع ويُهدد بالشرطة.
المريض إنسان… وما جرى ليس مجرد حادثة فردية، بل عرضٌ مزمنٌ لمرضٍ أخلاقي أصاب منظومتنا الصحية.
ولمن طرد المريضة أو مرّ على جثتها الممددة دون أن يهتز ضميره نقول:
اتقوا الله… اليوم حياة، وغدًا حساب.







