كتاب وشعراء

من وحي الصورة…..بقلم سليمان أحمد العوجي

غَيْمَةُ اغْتِرابٍ ضامِرَةُ الثَّدْي،
طِفْلُ الرَّبيعِ يَفْتَرِشُ مِحْنَتَهُ،
يَتَوَسَّدُ فِطامَهُ ولا يَنامُ…
غَيْمَةُ اغْتِرابٍ وَزَخّاتُ شَجَن،
مِظَلَّةُ خَوْفٍ لِشِتاءِ القَلْب،
لأنيابِ الزَّمَنِ الدَّخيل،
لِتُرْسِ غَوايَةٍ،
وسَيْفٍ مُسْتَقيل،
لِمَساحاتِ ذُهولٍ،
مُتَرامِيَةِ القَلَق،
وقَمَرٍ هَزيلٍ،
خارِجٍ مِن مَجاعةِ الضَّوْء،
لِلَّيْلِ أَرَقٍ مُرْتَعِشِ اليَدَيْن،
وشَهْقَةِ فَجْرٍ عُضال.
مِظَلَّةُ خَوْفٍ،
لأُمَّهاتٍ ناحِلاتِ الحُضْن،
وسِكِّينُ اليَأْسِ
في صَدْرِ الأماني.
لأَبْوابٍ تَسْتَجْدي سائِلِيها،
هُنا على جُرْفِ الهَلَعِ الشاهِق،
في مَرافِئِ الجُرْحِ،
مِرْساةُ الصَّدَأ،
ومَنارَةٌ تَبَرَّجَتْ بالعَتْمَة.
في طَلَلِ الأَغاني يَنْقُبُ التَّتارُ
عَن غَضَبٍ مُسْتَتِرِ المَعاني.
هُنا وَطَني المَوْلُودُ
مِن رَحِمِ النّارِ وَبَقايا النَّهار،
هُنا الحَياةُ جُثَّةٌ مُتَفَسِّخَةُ النَّبْضِ…
على ماءِ المَوْتِ طافِيَة.
لا رِيحَ…
لِتَرْفْرِفَ راياتُكَ
على سُفوحِ البال،
على خارِطَةِ ماضيكَ.
لم أَجِدْ غَيْرَ
خُوذِ الحَذَر،
وفَوارِغِ كَلامٍ
تَقَيَّأَ بارودَ الأفعال.
يَتَناسَلُ الكَهَنةُ
في مَعابِدِ المُدُنِ المُنْطَفِئَة،
كَفُطْرٍ يَكْفُرُ بالشَّمْس.
يُقْرَعُ جَرَسُ الحَقيقةِ،
فَدَرْسُ العُروبَةِ انْتَهى.
تَتَساقَطُ العَواصِمُ فُرادَى،
مَنْ لَمْ يَمُتْ بالنّارِ
ماتَ بِفالِجِ الخِيانَة.
يُتَوِّجُني الشَّتاتُ مَلِكاً
على بِلادٍ لا أَعْرِفُها؛
رَعاياها مَواجِع،
وغُرَباؤُها بلا ذاكِرَة.
لا سُلْطَةَ لي لِأَمْنَعَ
كَحْلَ الأُمَّهاتِ مِنَ الهِجْرَة،
في مَراكِبِ الدُّمُوع.
حينَ يَكْتَوي جِلْدُ الأُمَنياتِ
بِسِياطِ الفَقْدِ،
يَخيطُ الطُّغاةُ لِوَطَني
ثَوْباً فاضِحاً لِغَدٍ بلا مَفاتِن.
(لَو يَنْبُتُ الآباءُ مَرَّةً أُخْرَى
في حُقُولِ المَقابِر،
وتَذْهَبُ هذه الحَرْبُ إلى بَيْتِها)
يَقولُ الصَّغيرُ
بينَ تَنهيدَتَيْنِ، ووادٍ مِن دُمُوع –
والأُمُّ تَرُشُّ الماءَ على الرَّيحان…
(يا أَبي الَّذي تَنامُ في سَريرِ التُّراب، بُشراك!
لم نَعُدْ في عَوَزٍ،
كُلُّ القَتَلَةِ أَهْلُنا…
نَصْنَعُ المَوْتَ بِكَدِّ يَمينِنا.
نَمْ قَريرَ الجُرْحِ يا أَبي.
هَيّا يا أُمّاهُ، لَقَدْ أَخَّرَنا الحُزْنُ،
فَقِطارُ المَجْهولِ
أَخْرَجَ صَفيرَهُ الحَزين،
ومِنْديلَ دُخانِه مِن جَيْبِه،
في وَحْشَةِ المَحَطّات.
كُلُّ أَمْتِعَتِنا تَلْويحَةُ أَبي الأَخيرة…
غَداً سَيَفْتَرِشُ الصَّباحُ هُنا
قِفارَ الهَباء،
سَيَنْصِبونَ مَشانِقَ الأَعياد،
وأَراجِيحَ الدَّمِ لِلصِّغار).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى