تاريخ العرب

عبد الله بن عمر نصيف: رحيل شخصية فكرية وعلمية.. العالم الذي لم ينسَ كوسوفا

بيان عزاء وتأبين في وفاة فضيلة الأستاذ الدكتور العلّامة عبد الله بن عمر نصيف (رحمه الله)
بقلم الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبمشاعر يعتصرها الحزن والأسى، تنعى الأمة الإسلامية، والمملكة العربية السعودية، والأسرة العلمية والدعوية، رحيل أحد أعلامها الكبار، فضيلة الأستاذ الدكتور العلّامة عبد الله بن عمر نصيف، الذي انتقل إلى جوار ربه يوم الأحد 12 أكتوبر 2025م، عن عمر ناهز 86 عامًا، بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي والدعوي والإنساني.

لقد قدّم الراحل نموذجًا فريدًا للعالم المصلح، والمفكر الوسطي، والقائد الذي جمع بين العلم والإدارة والإيمان. فبفقد العلماء تفقد الأمة مصابيح الهدى، ويضعف صوت الحكمة والاعتدال.

قال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ (الرحمن: 26–27).
وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر: 28).

لقد فُجعت الأمة برحيل أحد علمائها العاملين، وسندها الثابتين، ممن بذلوا أعمارهم في خدمة الدين والعلم والعمل الدعوي والإنساني، فبفقد العلماء تَفقد الأمة مصابيح الهدى، ويضعف صوت الحكمة والاعتدال، وتخبو أنوار الإصلاح والوسطية.

إسهاماته الدعوية والإنسانية

امتد عطاء الدكتور نصيف إلى ميادين الدعوة والإغاثة والعمل الإسلامي العالمي، فكان صوتًا عاقلاً ومصلحًا يجمع كلمة المسلمين ويوحد صفهم. تولّى (رحمه الله) رئاسة هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، وأسهم في تأسيس المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، والاتحاد العالمي للكشاف المسلم. وكان من أبرز الرموز التي مثّلت الإسلام في أفقه الإنساني الرحب، الداعي إلى التعاون والخير والسلام.

من أبرز مناصبه القيادية:

• مدير جامعة الملك عبد العزيز بجدة (1980–1983م).
• أمين عام رابطة العالم الإسلامي (1983–1993م).
• نائب رئيس مجلس الشورى السعودي (1993–2002م).

شهادة شخصية: الداعم لقضية كوسوفا

عُرف الراحل الكبير (رحمه الله) بقلبه الكبير الذي يتحسس معاناة المسلمين في كل مكان. ومنذ عام 1991م، كان الدكتور نصيف من أبرز الداعمين لقضية كوسوفا، حيث التقيته مرارًا، وكنا نناقش أحوال المسلمين في منطقة البلقان بقدر عميق من الاهتمام والقلق. كان بحكمته وبُعد نظره يدرك أهمية القضية الكوسوفية في السياق الأوروبي والإسلامي الأوسع.

لطالما وجدت فيه سندًا فكريًا وروحيًا، فكانت لقاءاتنا حوارات غنية تنبض بالهمة والعطاء، قمت بنشرها في وسائل الإعلام في منطقة البلقان، وخاصة في كوسوفا، حيث كانت كلماته ومواقفه مصدر إلهام وتشجيع لأبناء شعبنا في أحلك لحظات المحنة. لم يكن دعمه ماديًا وإغاثيًا فحسب، بل كان دعمًا معنويًا وعلميًا،

مؤكدًا على حق شعب كوسوفا في العيش بكرامة وحرية، ومجسدًا لمعنى الأخوة الإسلامية التي تتجاوز الحدود الجغرافية. لقد كان وجهًا مشرقًا للدعوة الإسلامية المعتدلة، وحريصًا على إيصال صوت المظلومين إلى المحافل الدولية.

السيرة العلمية والجوائز التكريمية

• المؤهل العلمي: دكتوراه في الجيولوجيا – جامعة ليدز، بريطانيا – 1971م.

• الجوائز والتكريم:

o جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام – 1991م.
o وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى.
o خمس شهادات دكتوراه فخرية من دول متعددة.

الإنتاج العلمي والفكري:

ترك الدكتور نصيف إرثًا علميًا وفكريًا زاخرًا، من أبرز مؤلفاته: “الإسلام والشيوعية” (1982م)، و”دور الإيمان في تدريس العلوم” (1983م)، و”الإسلام والنظام العالمي الجديد”.

إلى روحِ العالِمِ الرَّبَّاني عبدِ اللهِ بنِ عُمَر نَصيف
بقلم الأستاذ الدكتور بَكَر إِسماعيل الكوسوفي
يا راحلًا والعِلمُ يَبكي فَقْدَهُ والعَصْرُ يَنْعى حِكمةَ الفُرسانِ
نَمْ هادِئًا في ظِلِّ رَحْمَةِ رَبِّنا يا مِشْكَةَ الأرواحِ والإِحسانِ
عَلَّمْتَنا أَنَّ العُلا في عِلْمِنا وَسُلُوكِنا وَنَهَجِنا الإيماني
وَرَفَعْتَ لِلإِسْلامِ رايةَ عِزِّهِ بِصَفاءِ قَلْبٍ طاهِرٍ رَبَّانِي
ما كُنْتَ إِلَّا ناصِرًا ومُؤازِرًا لِلْمُسْتَضامِ وَلِلْمُعَذَّبِ عَانِي
ذِكْراكَ في كُوسُوفا تَبْقَى سِنا يَهْدي القُلُوبَ بِأُفْقِها الوِجدانِ
لِكُوسُوفا كُنْتَ الأَخَا في مِحْنَةٍ تَدْعُو لِحَقِّهِمُ بِكُلِّ لِسانِ
قَدْ قُلْتَ: إِنَّ العَدْلَ فَرْضٌ دائِمٌ وَسَلامُنا بِالحُبِّ لا العُدوانِ
يا عالِمًا بِالحِلْمِ زَيَّنَ سَعْيَهُ وَنَهَى القُلُوبَ عَنِ الأَسَى وَالهَوانِ
نَمْ في أمانِ اللهِ يا مَن سِيرَتُهُ كانتْ دُعاءً صادِقَ الإِيمَانِ
قَدْ كُنْتَ نِبْراسًا يُضِيءُ طَرِيقَنَا وَكِتابُ عِلْمِكَ شاهِدُ الإِحْسَانِ
يا عَبْدَ رَبٍّ لَمْ تَزَلْ في خَشْيَةٍ تَسْعَى لِخَيْرِ النَّاسِ في المَيْدانِ
نَمْ مُطْمَئِنًّا في جِنانٍ خالِدٍ في ظِلِّ عَفْوٍ واسِعِ الغُفْرَانِ
سَيَظَلُّ ذِكْرُكَ في العُقُولِ مَنارَةً ما لاحَ في الأُفُقِ السَّنَا الفَيَّانِ

دعاء وختام

اللهم اغفر لعبدك العالم العامل الدكتور عبد الله بن عمر نصيف، وارفع درجته في المهديين، واجعل علمه وعمله صدقةً جارية، وأنِر قبره، ووسّع عليه، واجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
اللهم اجعل مثواه الفردوس الأعلى، وألهم أهله ومحبيه وطلابه الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

كاتب التقرير :

السفير والممثل السابق لكوسوفا لدى بعض الدول العربية
عضو مجمع اللغة العربية – مراسل في مصر
عضو اتحاد الكتاب في كوسوفا ومصر
E-mail: [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى