صَبْرُ النُّور …..بقلم خديجه بن عادل

أَمْسِكُكَ بَيْنَ أَصَابِعِي كَمَا تُمسَكُ الرِّيحُ،
أُوصِيكَ بِصَبْرٍ يَمْشِي فِي العُرُوقِ كَمَاءٍ لَا يَنْضُبُ،
كَمَا صَبَرَ يُونُسُ فِي بَطْنِ الحُوتِ،
وَكَمَا انْتَظَرَ يَعْقُوبُ ظِلَّ يُوسُفَ بِلَا شَكْوَى.
تَتَرَاءَى لَكَ النُّجُومُ كَحَبَّاتِ صَلَاةٍ مُعَلَّقَةٍ،
تُعَلِّمُكَ كَيْفَ تُبْحِرُ بِلَا شِرَاعٍ،
وَكَيْفَ تَصْعَدُ مِنْ عُمْقِ الألَمِ إِلَى شُرْفَةِ النُّورِ.
دَعْ قَلْبَكَ يَحْتَوِي العَاصِفَةَ،
دَعْ صَمْتَكَ يَسَافِرُ مَعَ السَّحَابِ،
لِتَعْرِفَ أَنَّ كُلَّ دَمْعَةٍ تُسْقِطُ غُبَارَ الظَّلَامِ،
وَكُلُّ جُرْحٍ يَزْرَعُ فِيكَ جَنَاحًا.
اِمْشِ كَأَنَّكَ حُلْمٌ نَسَجَتْهُ السَّمَاءُ،
وَلَا تَخَفْ مِنَ الغِيَابِ،
فَحَتَّى الغِيَابُ يُعَلِّمُكَ الصَّبْرَ،
وَيُخْبِرُكَ أَنَّ الضَّوءَ لَا يُولَدُ بِلَا انْتِظَارٍ.
حِينَ يَسْأَلُكَ اللَّيْلُ عَنْ سَبَبِ بُكَائِكَ،
أَخْبِرْهُ:
إِنَّ صَبْرَ القُلُوبِ يَتَرَسَّخُ فِي البُذُورِ الَّتِي لَا تُرَى،
وَأَنَّكَ، كَمَا يُوسُفُ، سَتَقْرَأُ الحَيَاةَ بِلَا عُيُونٍ،
كَمَا يَعْقُوبُ، سَتَحْتَضِنُ الغِيَابَ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ.
كُلُّ خُطْوَةٍ مِنْكَ تَصْنَعُ نَهْرًا،
كُلُّ نَفَسٍ يُخْلَقُ جَنَاحًا،
وَالرِّيحُ تَهْمِسُ لَكَ: “تَعَلَّمْ أَنْ تَكُونَ صَامِتًا،
لِكَيْ يُسْتَمَعَ إِلَيْكَ الْكَوْنُ.”
تَعَلَّمْ أَنْ تَكُونَ كَالطِّينِ،
يَغْتَسِلُ بِالْمَطَرِ،
وَيَصْبِرُ حَتَّى تَتَحَوَّلَ القَطَرَاتُ إِلَى أَنْهَارٍ،
يَعْرِفَ أَنَّ كُلَّ مَطَرٍ يَحْمِلُ وَعْدًا جَدِيدًا.
أَنْتَ الآنَ شَجَرَةٌ صَغِيرَةٌ،
لَكِنَّ جُذُورَكَ تَمْتَدُّ عَبْرَ زَمَنٍ لَمْ يُولَدْ بَعْدُ،
تَحْمِلُ فِي دَاخِلِكَ نُورَ الأَنْبِيَاءِ،
وَصَبْرَ البَحْرِ، وَصَبْرَ اللَّيْلِ الطَّوِيلِ.
اذْكُرْ يَا بْنيّ، أَنَّ طُولَ حَيَاتِكَ لَيْسَ بِعَدَدِ الأَيَّامِ،
بَل بِعَدَدِ القُلُوبِ الَّتِي أَحْيَيْتَهَا بِصَبْرِكَ،
الْأَنْهَارِ الَّتِي غَسَلْتَ بِهَا جُرُوحَ الْعَالَمِ،
وَالضَّوْءِ الَّذِي زَرَعْتَهُ فِي غِيَابِ الْعَتَمَةِ.