مُشاةٌ في نَفَقٍ يَنْزِف….بقلم محب خيري

(1)
أَكُنتَ أنا، حين اجتزتَ البابَ الذي لا يُفْضي إلى شيءٍ سِوَاي؟
أم كُنتَ هَلْوَسَتي وهي تتجسّدُ فيك لتقودَني نحو المجهولِ بثقةِ نَائمٍ يُشْهِرُ ذِراعَيه في الفراغ؟
أحدّقُ في نَفَسي وهو يُحاولُ أن يُفلتَ من جسدي،
أُمسِكهُ من حنجرته، أضربهُ بملعقةِ الشاي،
أقول له:
كُن صريحًا، هل أنا أنت؟ أم أنت هذا الضجيجُ الذي تركني وحدي في منتصفِ الدرج؟
الحائطُ لا يردّ
لكنني أسمعه يبتلعُ ظِلّي على مهل
كأنّه يُذيبني في صمتهِ ليصنعَ نسخةً أقلَّ خِفّةً،
أقلَّ هوسًا،
أقلَّ حاجةً للهرب.
(2)
في رأسي غرفةٌ لا تهدأ
امرأةٌ تصرخُ في وسادتي
ولدٌ يركلُ قلبي بقدمٍ من غُبار
وكلّما ناديتُ:
هل منّي أحدٌ هنا؟
جاءني صوتي مُتخفّيًا في مِعطفٍ غريب
وقال:
لقد غادرتَك منذ الولادة، تفضّل بالبكاء.
(3)
لستُ وحيدًا
أنا مزدحمٌ بي
جسدي شارعٌ من الأصوات المُخبّأة
أصواتُ من نسيتُهم، من طردتهم من دموعي، من سقطوا سهواً في قهوتي
وكلّما مشيتُ داخلي،
رأيتُني مرميًّا عند الرصيف،
ألوّح لي ولا أبتسم
ثم أركلني.
(4)
أحتاجُ إلى مرآةٍ بلا ذاكرة،
أشربُ منها صورتي
وأتقيّأني على حافة المغسلة
ثم أستحمُّ بخوفي القديم
وأخرج منّي
كأنّني خرجتُ من شجارٍ مع نفسي
وانتصرتُ..
بالكاد.
(5)
في الليل
يتكاثرُ وجهي
يضعُ نفسه على كلّ وِسادةٍ فكّرتُ فيها،
في المرايا التي تَكَسَّرَتْ لأنّني سألتُها:
هل أنا هذا الذي يحدّق؟
أم ذاك الذي يُشيح؟
أم تلك الرعشةُ في يدٍ لا تشتهي شيئًا سوى الانقراض؟
(6)
كلّ ما لم أفعله،
يطرق بابي الآن
بملامح أُمنيةٍ طُمِرَتْ حيّة.
أنا كومةُ احتمالاتٍ نادمة،
مطرٌ تعلّق بشبّاك امرأةٍ لم تكن لي
غيمةٌ تمشي على عجلات عرجاء.
(7)
أنامُ كي أهرب،
أحلمُ كي أُنقذ نفسي منّي،
أستيقظُ كي أجدني نائمًا في جسدٍ آخر،
ثم أصفعني،
فأستفيق على وجهٍ لا يشبهني
وصوتٍ يقول:
مرحبا بك في فصّك الزمنيّ الخامس، لم تَعُدْ الإنسانَ الذي أرسلته الحياة.
(😎
أعرفُ تمامًا أنني مشروخٌ من المنتصف،
نصفٌ يريدُ أن يموتَ بطريقةٍ أنيقة
والنصفُ الآخر يتوسّلُ للحياة أن تُطلّ عليه
من نافذةٍ فيها يدٌ تلوّح
ولا تسألُ: متى ترجع؟