الرؤية والتأثير : د. أيمن عبد العزيز ” رحلة قانونية من فاقوس إلى ضمير الإنسانية “
بقلم.. الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي..

مدخل تمهيدي وتعزية إنسانية
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، ولكنها تفيض حزنًا وأسًى، ننعي إلى الأمة العربية والإسلامية، وإلى أسرة القانون الدولي في العالم أجمع، وإلى أهله وأصدقائه في مصر الحبيبة، علماً من أعلام الفكر والقانون، وسنداً للإنسان والعدالة، المغفور له بإذن الله الدكتور أيمن عبد العزيز محمد سلامة.
لقد كان رحيله يوم الجمعة 17 أكتوبر 2025 خسارة إنسانية وعلمية لا تعوّض، ترك فراغاً في الصفوف الأمامية للدفاع عن الحق والقانون، وترك أثرًا لا يُمحى في ضمير الإنسانية.
الكاتب وعلاقته بالفقيد
الكاتب: أ.د. بكر إسماعيل الكوسوفي
كانت علاقتي بالدكتور أيمن سلامة ممتازة، كأخ وصديق. جمعتنا نقاشات معمقة حول القضايا العامة، وقضايا البلقان، وخاصة قضية كوسوفا.
كان يُحب العدالة ويسعى للاستقرار العالمي، ويؤمن بحقوق الإنسان كقيمة كونية لا تُجزأ. وقد عرفته صوتًا للكوسوفيين والمظلومين، وناطقًا باسم العدالة في عالم تتعثر فيه موازين القوى.
المقدمة: تأطير المسيرة
يشكل رحيل الدكتور أيمن سلامة منعطفاً لحظة للتأمل في مسيرة علمية وفكرية استثنائية، جمعت بين عمق البحث الأكاديمي ورشادة التطبيق الميداني، وبين الوطنية المصرية الأصيلة والعالمية المنفتحة. لم يكن الراحل مجرد أستاذ جامعي يلقي محاضراته بين جدران الفصول الدراسية، بل كان مشروعاً فكرياً متكاملاً، تجسّدت فيه صورة “العالم العامل” الذي يسخّر معرفته لخدمة قضايا السلام والعدالة الدولية.
تتبع هذه الورقة مسيرة الدكتور سلامة، محاولةً تسليط الضوء على المحطات الرئيسية في حياته، وتقييم أثره متعدد الأبعاد في الحقول الفكرية والقانونية والسياسية التي أثراها.
الفصل الأول: التكوين الأكاديمي والأسس الفكرية (النشأة والمسار العلمي)
وُلد الدكتور أيمن سلامة في مدينة فاقوس بمحافظة الشرقية، في بيئة مصرية ريفية تُقدّر العلم والمعرفة. شقّ طريقه بجدارة وتفوق إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة، حيث تخرج ليبني قاعدة معرفية صلبة قادته إلى ساحات التخصص الدقيق.
1. رسالة الماجستير (1998): تحت عنوان “النظام القانوني لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة” بإشراف الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفا، كانت هذه الرسالة بمثابة النبوءة التي حددت مسار حياته المهني. حيث جمعت بين اهتمامه النظري بالقانون الدولي وتطلعه العملي إلى كيفية تطبيقه على أرض الواقع في أكثر الساحات تعقيداً.
2. رسالة الدكتوراه (2005): بعنوان “المسؤولية الدولية عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية” تحت إشراف الدكتور محمد السعيد الدقاق، وهي رسالة ذات بعد إنساني وأخلاقي عميق. لعلّ الإشارة الأبرز هنا هي ترأس الدكتور بطرس بطرس غالي، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، لجنة المناقشة،
مما يؤكد على الأهمية الاستثنائية للرسالة وارتباطها المباشر باهتمامات المجتمع الدولي القصوى. هذه الرسالة لم تكن مجرد متطلب أكاديمي، بل كانت إطاراً فكرياً لمناهضة أخطر الجرائم الدولية، مما أهّله ليكون مرجعاً في هذا المجال.
الفصل الثاني: الخبرة الميدانية: حيث يلتقي القانون بالواقع (ضابط السلام)
لا يمكن فهم عطاء الدكتور سلامة الأكاديمي بمعزل عن تجربته الميدانية الفريدة. فخدمته في القوات المسلحة المصرية التي انتهت برتبة عقيد في عام 2001، وتحديداً مشاركته في قوات حفظ السلام في البوسنة والهرسك (1997-1998) كضابط اتصال ومستشار قانوني، شكّلت المنظور الحقيقي لفهمه للقانون.
التجسيد العملي: في ساحات الصراع في البلقان، لم تكن النصوص القانونية مجرد كلمات، بل كانت أدوات لحماية المدنيين وإدارة الأزمات وتعقيدات السياسة الدولية. هذه الخبرة منحته مصداقية نادرة، جعلت تحليله اللاحق في الإعلام والأكاديميا ينبع من رحم المعاناة والواقع، وليس من برج عاجي.
التكريم الدولي: حصوله على وسامي حفظ السلام من الجيش الإيطالي وقوات حلف الناتو في البلقان ليس مجرد أوسمة شرف، بل هو اعتراف دولي بمهاراته الدبلوماسية والقانونية والإنسانية في بيئة بالغة الخطورة والتعقيد. من كوسوفو، نذكر بامتنان كل من ساهم في إحلال السلام في منطقتنا، وكان الدكتور سلامة أحد أولئك.
الفصل الثالث: التأثير الأكاديمي والعلمي (أستاذ الأجيال)
شكّل التدريس الجامعي ونقل المعرفة العمود الفقري لمسيرة الدكتور سلامة. فقد بدأ مسيرته الأكاديمية في عام 1994، وتنقل فيها بين أرقى المؤسسات التعليمية والعسكرية في مصر والعالم، مما وسّع من دائرة تأثيره:
بناء الكوادر: كأستاذ زائر في أكاديمية ناصر العليا للدراسات العسكرية (1994 حتى وفاته)، ومعهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية، وأكاديمية الشرطة، كان دوره محورياً في صياغة عقلية جيل من الضباط والدبلوماسيين والمسؤولين المصريين، وغرس ثقافة القانون الدولي وحقوق الإنسان في مؤسسات الدولة الحيوية.
العالمية الأكاديمية: جلسته على كرسي التدريس في المعهد الدولي لحقوق الإنسان في ستراسبورغ بفرنسا، وجامعة 8 ماي 1945وجامعة باجي مختارفي الجزائر، والجامعة الأمريكية بالقاهرة، جعلت منه سفيراً للفقه القانوني المصري والعربي، ومد جسور الحوار بين المدارس القانونية المختلفة.
المنهج التكاملي: تميزت محاضراته بدمج النظرية بالتطبيق، مستنداً إلى خبرته الميدانية في حفظ السلام وتحليله الدقيق للأزمات الدولية، مما جعل مادته حية ومؤثرة.
الفصل الرابع: الأثر الإعلامي والفكري (صوت القانون والضمير)
إذا كان الأكاديميون عادة حبيسي المكتبات والمجلات المتخصصة، فإن الدكتور سلامة خرج بوعي وإصرار إلى الرأي العام، ليكون معلماً وموجهاً.
محللًا في BBC (2006-2016): من خلال شاشة البي بي سي العربية، أصبح وجه القانون الدولي المقروء. كان يحلل أزمات العالم من العراق إلى سوريا إلى البلقان، بلغة واضحة وسليمة، قادرة على تبسيط أعقد المفاهيم دون التضحية بالدقة العلمية. كان يؤمن بأن “القانون الدولي هو ضمير الإنسانية”، فجسّد هذه المقولة في كل مداخلة.
المؤلفات والإنتاج العلمي: ترك إرثًا كتابيًا مهمًا، من أبرزه كتابيه المستمدين من أطروحتيه للماجستير والدكتوراه، بالإضافة إلى عشرات الأبحاث والمقالات التي تناولت قضايا العدالة الانتقالية، ومحاكمات جرائم الحرب، ومستقبل النظام الدولي.
الفصل الخامس: التقييم الشامل للأثر والإرث
يمكن تقييم الإرث متعدد الأبعاد للدكتور أيمن سلامة من خلال المحاور التالية:
1. الأثر القانوني: كان مرجعاً نادراً ودقيقاً في مجال القانون الجنائي الدولي وتطبيقه، خاصة فيما يتعلق بجرائم الإبادة الجماعية والمسؤولية الدولية عنها. تعاونه الممتد مع المنظمة العربية لحقوق الإنسان (2009-2025) في برامج بناء القدرات خلق جيلاً من المحامين والنشطاء العرب القادرين على استخدام أدوات القانون الدولي.
2. الأثر السياسي والاستراتيجي: من خلال تدريسه في الأكاديميات العسكرية والدبلوماسية، ساهم في صياغة الرؤية الاستراتيجية المصرية في التعامل مع الملفات الدولية والإقليمية، مقدماً الأدوات القانونية اللازمة لصناع القرار.
3. الأثر الفكري والثقافي: مثّل نموذجاً للمفكر العضوي المنخرط في هموم وطنه وأمته. كان صوته مسموعاً في الدفاع عن ثوابت الدولة الوطنية المصرية، كما أشار الكاتب مصطفى بكري، مؤمناً بأن العدالة هي حجر الأساس لأي استقرار سياسي.
4. الأثر الإنساني والأدبي: تجاوز تأثيره حقل القانون إلى مجال الأدب الإنساني. كانت سيرته، من فاقوس إلى ستراسبورغ، قصة كفاح وإصرار. وكانت مواقفه شهادة على نبل المهنة ومسؤولية العالم تجاه قضايا العدل. لغته الواضحة والعاطفية أحياناً جعلت من القانون مادة أدبية مؤثرة.
الخاتمة: رحيل الجسد.. بقاء الإرث
رحل الدكتور أيمن عبد العزيز محمد سلامة جسداً، لكن إرثه ظل شاهداً على أن الفكر الحق لا يموت بموت صاحبه. لقد كان جسراً بين الثقافات، وبين النظرية والتطبيق، وبين مصر والعالم. كان عالماً عاملاً، وضابطاً مفكراً، وإعلامياً رصيناً، وإنساناً نبيلاً.
لقد ترك لنا مكتبة من المعرفة، وجيلاً من التلاميذ يحملون رايته، ونهجاً في العمل يجمع بين الأصالة والمعاصرة، والوطنية والعالمية. ستظل كتاباته محط استشهاد، وتحليلاته نموذجاً للرصانة، ومسيرته نبراساً يضيء الطريق لكل من يريد أن يسخر علمه في خدمة الإنسان والعدالة والسلام.
ختام وتأبين
من كوسوفا، حيث عاش معاناة شعوبنا تحت وطأة الصراع، أتقدم بأحرّ التعازي ومواساتي القلبية لعائلته الكريمة، وطلبته، وزملائه، ومحبيه في كل مكان.
(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
رحم الله الدكتور أيمن سلامة، وجعل علمه صدقة جارية، وصوته في الحق نورًا لا ينطفئ.
طيّب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله ومحبيه وطلبته وزملائه الصبر والسلوان.
قصيدة: “سلامٌ إلى روح القانون والإنسانية”
إهداء إلى روح الأستاذ الدكتور أيمن عبد العزيز سلامة
بقلم: الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي
سلامٌ عليكَ، وأنتَ تُحلِّقُ في عوالمِ النورِ والعَدْلِ والسَّماح،
يا مَنْ جعلْتَ منَ القانونِ ضميرًا للإنسانيّة،
ومنَ الكلمةِ سيفًا للحقِّ في وجهِ الطغيانِ والجُنون.
علَّمتَنا أنَّ العِلْمَ لا يُزهرُ إلّا إذا سقاهُ الإيمانُ بالعَدْل،
وأنَّ القانونَ لا يعيشُ إلّا إذا نبضَ في قلبِ الإنسان.
يا أيُّها الرّاحلُ في هدوءِ الكبار،
لم تمتْ، بل غادرتَ لتقيمَ في ذاكرةِ الضّمير،
وفي صفحاتِ الحقِّ التي كتبتَها بعرقِ الميدانِ ونورِ الفِكر.
من “فاقوس” خرجْتَ تحملُ قنديلَ العدالة،
ومن “كوسوفا” نُرسلُ إليكَ اليومَ نداءَ الوفاءِ والامتنان،
فلقد كنتَ في ساحاتِ البلقانِ شاهدًا على وجعِ الشّعوبِ،
وصوتًا للسلامِ في زمنٍ ضاعَ فيهِ الصّوتُ واليقين.
نمْ قريرَ العينِ أيُّها العالمُ العامل،
فالعَدْلُ الذي أحببْتَهُ باقٍ،
وتلاميذُكَ الحاملونَ لرايتِكَ ماضونَ على الدّرب،
يكتبونَ في ضميرِ التاريخ:
أنَّ أيمنَ سلامةَ كانَ ضميرًا حيًّا للأمّةِ والإنسانية.
القانون في ضمير الشعر — قراءة نقدية في قصيدة “سلامٌ إلى روح القانون والإنسانية”
المقدمة: الشعر كذاكرة للعدالة والإنسانية
تُعدّ قصيدة “سلامٌ إلى روح القانون والإنسانية” نموذجًا فريدًا من الشعر التأبيني المعاصر الذي يلتقي فيه الفكر القانوني بالوجدان الإنساني، في صياغةٍ تزاوج بين الفكرة والروح، وبين العقل والعاطفة.
الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي يقدّم في هذا النص تحيةً سامقة لروح العالم القانوني الراحل الدكتور أيمن عبد العزيز سلامة، الذي مثّل، في الوعي العربي والدولي، رمزًا للتكامل بين الفكر القانوني والدفاع عن العدالة الإنسانية.
من خلال هذه القصيدة، ينجح بكر الكوسوفي في تحويل المأساة إلى معنى، والفقد إلى رسالة، جاعلًا من الشعر وثيقة وجدانية تعيد الاعتبار إلى دور المفكرين والعلماء الذين يخدمون الضمير الإنساني في صمتٍ ونور.
الفكرة المركزية
تدور الفكرة المحورية للقصيدة حول التحية الخالدة لروح عالمٍ لم يمت بموته الجسدي، بل ظلّ حيًّا في ضمير العدالة ووجدان الإنسانية.
يستحضر الشاعر صورة الراحل لا بوصفه فردًا، بل كقيمةٍ رمزية تُجسّد التقاء القانون بالأخلاق، والفكر بالعمل، والإنسان بالضمير الكوني.
إنها قصيدة عن الخلود عبر الفعل الصالح والمعرفة، وعن الإيمان بأن من نذر نفسه للحق لا يفنى، بل يتحول إلى طاقةٍ من النور والمعنى.
التحليل الأدبي والفكري
1. البنية النصية والمعمار الفني
ينتمي النص إلى الشعر الحرّ المنثور، القائم على الإيقاع الداخلي لا العَروض التقليدي.
هذا الاختيار ليس جماليًا فحسب، بل وظيفيّ، إذ يعكس تحرر الفكرة من قيود الشكل، تمامًا كما تحرر الفقيد من ضيق الجغرافيا إلى رحابة الإنسانية.
البنية تتسم بالانسيابية والتدرج الدلالي من النداء (“سلامٌ عليك”) إلى التسامي الروحي (“نم قرير العين أيها العالم العامل”)، في حركةٍ عمودية من الأرض إلى السماء.
2. المحاور الدلالية الأساسية
• العدالة كقيمة روحية: يوظف الشاعر مفهوم القانون لا كمجرد منظومة تشريعية، بل كإيمانٍ أخلاقي يربط الأرض بالسماء:
“علّمتنا أن العلم لا يُزهر إلا إذا سقاه الإيمان بالعدل”.
هنا يتحول العدل إلى رمز للخصب والخلود.
• الإنسان كغاية القانون: في قوله:
“وأنّ القانون لا يعيش إلا إذا نبض في قلب الإنسان”،
يقدّم الشاعر رؤية فلسفية للعدالة بوصفها كائنًا حيًّا لا يتحقق إلا بالضمير، في تماهٍ واضح بين الفكر القانوني والوعي الشعري.
• البطولة الهادئة: يستبدل الشاعر صورة البطل الصاخب بصورة العالم المتواضع، الذي “يرحل في هدوء الكبار”، فيُعيد تعريف البطولة في زمنٍ ضجّ بالضجيج الإعلامي، مؤكدًا أن العظمة في الصمت والعمل.
• البعد الإنساني الكوني: الإشارة إلى “فاقوس” و“كوسوفا” ليست توثيقًا جغرافيًا، بل رمزٌ لتداخل الأوطان في نسيج الإنسانية. من خلال هذا التوازي، يُبرز المالك وحدة المصير الإنساني وامتداد تأثير الفقيد خارج حدود بلده.
السمات الأسلوبية والفنية
1. اللغة الوجدانية الرصينة: تمتزج العاطفة بالمنطق في لغةٍ شاعرية منضبطة، لا إفراط فيها ولا استجداء للمشاعر.
اللغة هنا تجمع بين البيان العربي الكلاسيكي وروح الحداثة الأخلاقية.
2. الصورة الرمزية:
o “قنديل العدالة”، “ضمير الإنسانية”، “قنديل المعرفة” — رموزٌ تضفي على النص طابعًا صوفيًا، يربط بين النور والعقل والحق.
o الرموز لا تأتي غامضة، بل شفافة في وظيفتها: إعلاء القيم الكونية فوق الاعتبارات الشخصية أو السياسية.
3. الإيقاع الداخلي والتكرار البنائي:
التكرار في عبارات مثل “يا أيها الراحل” و“سلامٌ عليك” يمنح القصيدة إيقاعًا تأمليًا يذكّر بتراتيل الوداع، ما يجعل النص أقرب إلى مرثية روحية لا إلى رثاء شخصي.
4. التحول من الرثاء إلى الخلود:
يبدأ النص في حال الحزن، لكنه ينتهي في حال التسامي، حيث يتحول الموت إلى حياةٍ معنوية، والفقد إلى نورٍ باقٍ.
هذه التقنية تمنح القصيدة بنية درامية متصاعدة تتجاوز التأبين إلى الإلهام.
التقييم الجمالي والفكري
القصيدة تمثّل نقلة نوعية في الشعر التأبيني العربي المعاصر، إذ تتجاوز الرثاء التقليدي إلى الرثاء الفلسفي الإنساني، حيث يُصبح الممدوح رمزًا للفكر والقيم لا مجرّد شخص.
من الناحية الجمالية، يذكّر النص بنفَس محمود درويش في الجمع بين العاطفة والعقل، وبين الوطني والإنساني.
ومن الناحية الفكرية، يؤسس بكر الكوسوفي لرؤية ترى في العلماء والمفكرين جنودًا للإنسانية، ما يمنح القصيدة بعدًا ثقافيًا وأخلاقيًا يتجاوز الأدب إلى الفعل الحضاري.
أثر القصيدة لا يقتصر على المجال الأدبي، بل يمتد إلى:
• الفكر الإنساني: إذ تُعيد تعريف العلاقة بين القانون والأخلاق.
• الثقافة العربية: لأنها تذكّر بأن العدالة ليست خطابًا سياسيًا، بل قيمة جمالية أيضًا.
• العلم والمعرفة: بإبراز دور العالِم كمبدع يحمل رسالة أخلاقية.
• الفضاء السياسي: حين تُشير إلى كوسوفا والبلقان، تجعل من العدالة قضيةً إنسانية عابرة للحدود.
الخاتمة: الشعر كضمير للعدالة
تغدو قصيدة “سلامٌ إلى روح القانون والإنسانية” وثيقة شعرية شاهدة على التلاحم بين الفكر القانوني والوجدان الإنساني، وعلى أن الشعر لا يفقد معناه حين يدخل ساحات العلم والسياسة، بل يُعيد للإنسان وعيه بجمال العدالة وكرامة العقل.
لقد استطاع بكر إسماعيل الكوسوفي أن يحوّل الوداع إلى وعدٍ، والدمعة إلى نور، فكتب مرثيةً فكريةً تليق بعالمٍ عاش للحق ومات في سلام.
إنها قصيدة تُذكّرنا بأنّ الشعر حين يكتب للضمير، يصبح قانونًا وجمالًا معًا.
————
كاتب الدراسة:
السفير والممثل السابق لكوسوفا لدى بعض الدول العربية
عضو مجمع اللغة العربية – مراسل في مصر
عضو اتحاد الكتاب في كوسوفا ومصر
E-mail: [email protected]