رؤي ومقالات

طه خليفه يكتب :عمر ياغي بعد زويل .. هل الفوز بجائزة نوبل جاء عبر الرضا الإسرائيلي؟!

عالم الكيمياء عمر ياغي، الأردني الأمريكي السعودي، من أصل فلسطيني، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، حصل في 8 أكتوبر الجاري على جائزة نوبل في الكيمياء لهذا العام 2025، مناصفة مع عالمين آخرين.
هذا خبر صار معروفاً، لكن بعد هذا الفوز يتكشف أنه زار إسرائيل عام 2018، حيث حصل على جائزة الكيمياء من مؤسسة «وولف»، وهي مؤسسة علمية عمرها 50 عاما، وتمنح جوائز في العلوم والفنون لأصحاب الإنجازات الاستثنائية في العالم.
وعودة للوراء ربع قرن نجد أن العالم المصري الأمريكي أحمد زويل فاز بجائزة نوبل في الكيمياء منفرداً في 21 أكتوبر 1999، ثم اكتشفنا أنه زار إسرائيل عام 1993 حيث تسلم جائزة مؤسسة «وولف» في الكيمياء.
ما هذا التشابه بين ياغي اليوم، والراحل زويل بالأمس، كلاهما يفوزان بجائزة الكيمياء من مؤسسة إسرائيلية، ويذهبان إليها لتسلمها في أجواء احتفالية.
ثم بعد 7 سنوات يفوز ياغي بـ «نوبل»، وبعد 6 سنوات يحصل زويل على «نوبل»، وهي الجائزة الأرفع والأشهر عالمياً.
هل بالضرورة تمثل مؤسسة «وولف»، أو معهد «حاييم وايزمان» المشهور دولياً، أو أي مرفق علمي هناك، أو كيان إسرائيل ذاته، طريقا مضموناً للحصول على «نوبل»، وهي حلم العلماء والأدباء ودعاة السلام في العالم، ومنهم العرب بالطبع؟
هذا سؤال شائك يصعب الإجابة الحاسمة عليه حتى لو كان العالمان العربيان وُلدا وتعلما لمرحلة معينة في بلديهما الأصلي (الأردن، مصر)، ثم غادرا إلى أمريكا لاستكمال رحلة العلم والبحث ثم النبوغ والتفوق هناك.
لكن لا يجوز التشكيك في وطنية العقول النابهة، أو الانتقاص من قدرها، أو قدراتها وجهودها العلمية الدؤوبة، ومع هذا نستبعد أن يكون الرضا الإسرائيلي وراء الفوز، وإلا كان ترامب حصل على «نوبل» للسلام هذا العام.
ربما هي مصادفة فقط أن يكون حصولهما على جائزة «وولف» تم قبل فوزهما بـ «نوبل» بسنوات، وربما أن تقدير العلماء المتميزين من جانب المؤسسة الإسرائيلية يلفت انتباه لجان «نوبل» لقيمة هؤلاء العلماء، سواء كان ياغي أو زويل من قبله، أو علماء من جنسيات ومجتمعات علمية أخرى، فقد حصل على جوائز «وولف» ما يقرب من 400 عالم وفنان، معظمهم من خارجها.
وبالنظر لمسيرة عمر ياغي الموجود بيننا، وأحمد زويل الراحل عن دنيانا، فإن لدى كل واحد منهما قائمة طويلة من الجوائز والتكريمات والأوسمة والتقديرات من دول وجهات علمية مرموقة حول العالم، والتكريم الإسرائيلي مجرد سطر في كتاب حافل بإنجازات ونبوغ وعرفان دولي بنتائج أبحاثهما التي تخدم البشرية.
وليس لأنها إسرائيلية يتم وصم هذه المؤسسة العلمية أو ذاك المعهد في كيان الاحتلال بصفات سيئة قسرا، فهذا ضد العلم والتقييم المتزن.
في الشأن السياسي والعسكري العدواني وجّه لإسرائيل ما تشاء من اتهامات وأوصاف قاسية، إنما بشأن مراكز ومعاهد العلم، فإنه من الحكمة النظر إليها بشكل مغاير للنظرة السياسية إلى أن يثبت العكس بانخراطها في السياسة، ودعمها لجرائم الساسة، وخروجها من محراب العلم المقدس إلى مجال السياسة المدنس.
إسرائيل كيان عدوان واحتلال، وهي منبوذة شعبيا، والتطبيع الرسمي لم يُفدها بشيء، وهي تعلم ذلك، ولذلك تقوي نفسها، ليس بالدعم الأمريكي الغربي فقط، إنما بقدراتها الذاتية، ومنها العلم، فهي تجتهد في تشييد بنية علمية متقدمة تشمل مختلف مجالات العلوم عبر الجامعات ومراكز الأبحاث، وتخريج علماء متطورين، ولهذا لا غرابة أن يكون عدد معتبر من الحاصلين على «نوبل» يهودًا؛ بعضهم يقيم بالخارج، وبعضهم يعملون في إسرائيل، ومن معاملها ومراكز أبحاثها ينالون جوائزهم الرفيعة، سواء «نوبل» أو غيرها.
وبالنظر إلى ياغي وزويل فإن تطورهما العلمي لم يكن في بلد المنشأ، إنما في أمريكا حيث حصلا على الدرجات العلمية الرفيعة من جامعاتها، ومن خلال رحلة بحث طويلة سجلا اسميهما في قوائم شرف العلماء العظماء. هما لم يحققا منجزاتهما في الأردن أو مصر، ذلك أن المناخ العلمي والإمكانيات البحثية والإرادة العامة في بناء منظومة علم وتعليم وبحث غير متوفرة، رغم توفر البنية الأساسية من المنشآت والعقول لتحقيق نهضة حقيقية.
والواقع أن العرب متأخرون علميا عن إسرائيل، ومصر مثلا كانت سباقة في الاهتمام بالتعليم منذ عصر محمد علي، وأسست مرافق علمية وبحثية مهمة، وأنشأت جامعات قبل قيام إسرائيل بعقود طويلة، لكنها ليست متقدمة اليوم بما يكفي مقارنة بكيان الاحتلال.
ونصيب العرب من جوائز «نوبل» العلمية لا يتناسب ومساحة جغرافيتهم وعدد سكانهم ومواردهم، إذ بجانب ياغي وزويل، هناك ثلاثة علماء آخرون فقط من أصول عربية؛ لبنانية وتونسية، ولدوا ونشأوا في أمريكا وبريطانيا وفرنسا، حصلوا على «نوبل»؛ واحد في الطب، واثنان في الكيمياء.
هناك نقد موجه لعمر ياغي بشأن احتفالية تكريمه في الكنيست الإسرائيلي، ووجود لوحات في قاعة الاحتفال ترفع من شأن العلم في الكيان، وتهين الفلسطيني الذي يناضل لنيل حقوقه المشروعة.
وسبق وتعرض زويل للنقد بسبب جائزة مؤسسة «وولف» وزيارته لإسرائيل، ووجّهت له تهم غير صحيحة بتبرعه بنصف جائزة «وولف» لإسرائيل، واشتراكه في تطوير برنامج صواريخ لديها.
المؤكد أن ممارسات العدوان تدفع لرفض أي نوع من التعامل مع إسرائيل، وتساهم في تعلية جدران النبذ لها، لكن مجتمع العلم والبحث مختلف عن واقع السياسة والحرب، خاصة عندما يكون العلماء العرب مقيمين بالخارج، ويحملون جنسيات بلدان أجنبية يمارسون فيها دراساتهم وأبحاثهم، فإنه يصعب عليهم خلط العلم بالسياسة والدين والعرق واللون واللسان والقومية.
أن يفوز علماء عرب بجوائز مصدرها معاهد إسرائيلية، فهو تأكيد المؤكد بنبوغ العقل العربي متى وجد البيئة الحرة المناسبة للإبداع.
وأن يذهب من يفوزون للتكريم لإسرائيل، وخاصة من يعيشون بالخارج ولهم اسم عالمي معروف، فهذه تقديراتهم، ولا نلومهم، فهم في جامعاتهم ومعاهدهم الأجنبية يتزاملون مع علماء من مختلف الأديان والإثنيات والألوان والأفكار، ويعملون جميعاً في تناغم وتفاهم لخدمة البشرية.
إسرائيل ليست عقدة، وهزيمتها يسيرة عبر العلم، وحرية وكرامة الإنسان، والحكم الرشيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى