فراج إسماعيل يكتب :الرجل البديل: ترامب والتفكير في مروان البرغوثي

حوار مجلة (تايم ) الأمريكية مع الرئيس ترامب الذي نسبته إلى فريقها التحريري كاملاً بتوقيع “By TIME Staff” يعبر عن مجهود جماعي رغم أن الذي وجه الأسئلة من خلال (الهاتف) هو كبير مراسليها السياسيين إيريك كورتليسّا، ومؤكد أنه الذي أخذ الموافقة على الحوار والموعد مع الرئيس، وهو أمر ليس بالبساطة التي قد يتصورها البعض.. فالحوار طويل جداً.. وكون ترامب يتحمله من خلال إتصال تليفوني، فإن البطل هو الصحفي كورتليسا.
لكن الحوارات مع الشخصيات الرفيعة في مثل تلك الصحف الكبيرة، لا تتم بمجرد صياغة الأسئلة وتحرير الحوار على الورق. هنا يمكن وصف ما يحدث بأنه “لعبة جماعية” يشترك فيها فريق كامل يقوم بعضهم بالتفريغ الصوتي، ويتولى فريق آخر خطوة مهمة وهي: Fact-checking):
وتتم فيها مراجعة الأسماء والتواريخ والاقتباسات الحساسة، للتأكد من دقتها، خاصة عندما يتحدث ترامب — المعروف بكثرة تصريحاته الجدلية.
وفي الحوار قام هؤلاء بدورهم عندما كتبوا باسم المجلة ما يكذب ضمناً حديث ترامب عن تدميره المفاعلات النووية الإيرانية في حرب الـ12 يوما، استنادا إلى تقييمات دولية دقيقة. بمعنى أنهم لم يتركوا كلام الرئيس دون تمحيص ورد ، وقد بغضب ترامب، لكن المهنية لها أصولها واحترامها.
بعد ذلك يتولى محرر سياسي كبير (مثل إيريك كورتليسّا) تنسيق النص وصياغة الأسئلة النهائية بالشكل المنشور، مع حذف التكرارات وتنعيم اللغة دون تغيير المعنى. والتنعيم حصل عندما استخدم ترامب لفظا خارجا اعتاد عليه، فقد ردد الجملة الفظة في الأصل “You’re giving us the f–king hostages, all of them.” .
يُراجع النص أخيرًا من قِبل فريق التحرير العام للمجلة أو رئيس التحرير، الذي يقرر الشكل النهائي والعنوان والمقدمة، ويُدرج توقيع “By TIME Staff” إذا شارك أكثر من قسم أو صحفي في إنتاج المادة.
الحوار عمل صحفي شاق خاصة إذا كان حوارا مكتوبا، ومن المهم إضفاء الحيوية عليه كأنه يتكلم على الهواء. تفاصيل صغيرة يمكن أن تتجاهلها الصحافة العربية، لكن الصحافة الكبرى في الولايات المتحدة والغرب تراها ضرورية. فمثلا عندما وصل إلى نصيحته لبيبي- يقصد نتياهو- بأنه لا يستطيع أن يحارب العالم كله، وعندما سألته المجلة: كيف سينزع سلاح Hماs طلب منهم إغلاق جهاز التسجيل.. off the record» أي ما سيقوله ليس للنشر، وهنا إشارة إلى أن هناك ما صرح به ولم يُنشر احترامًا للاتفاق.
لم يجب ترامب إجابة واضحة عن كيف سينزع سلاح الحركة، لكنه قال إنهم وافقوا عليه. “وسنتدخل إذا لم ينفذوا”. لكن العالم سئم الحرب وهو ما نصح به نتنياهو الذي أصبح في عزلة، ولن يستطيع بمفرده أن يحارب العالم أجمع، فإسرائيل دولة صغيرة.
نستخلص هنا أنه لا حل عسكري واضحا أمامه لنزع سلاح الحركة.
أشاد بمحمود عباس ووصفه بأنه رجل حكيم وتحدث عن المصافحة التي جرت بينهما في شرم الشيخ، وأن عباس أشاد بمبادرته للسلام، ولكنه لا يرى أنه رجل يمكنه توحيد الفلسطينيين خلفه. وعندما قالت له المجلة إن الحديث يدور عن قدرة مروان البرغوثي على ذلك. أجاب بأنه سمع اسمه قبل ربع ساعة بالضيط، ولكنه مسجون، ومع ذلك سيبحث في المسألة. يبدو أن هناك من يحاول اقناعه بالضغط على نتنياهو للإفراج عن البرغوثي ليكون هو الرجل البديل.
لا يزال مقتنعا، وهذا تفسيري من إجابته على سؤال بخصوص ذلك، بأن من تقتلهم الحركة في القطاع هم (عصابات).. سيتدخل فقط عندما يتغير الأمر وتكون ضرباتهم لخصومهم السياسيين.
يجزم بأن السعودية ستنضم لاتفاقيات أبراهام (التطبيع) قبل نهاية العام الحالي، فقد انتهت الموانع، فلم تعد إيران مخيفة، وانتهت حرب غزة.
الحوار في مجمله ينتهي إلى أن نتنياهو لم يعد “ملك إسرائيل”.. أي الذي يمنح ويقرر ويحجب. الأمر في يد الملك الحقيفي (ترامب) لدرجة أنه كشف لأول أن الاغتيالات وتفجير أجهزة البيجر تم بصيغة (نحن).. أي بتنسيق مشترك.. وهو قول ينزع التفوق الإسرائيلي ويلغي بطولة نتنياهو عند الرأي العام الإسرائيلي، خصوصا عندما تحدث عن خطأه التكتيكي عندما تصرف بمفرده دون استشارة واشنطن، بالهجوم على قطر، ولكن هذا الخطأ تمت الاستفادة منه لاحقاً في الوصول إلى وقف الحرب.
من الإشارات المهمة في الحوار التي ستغضب اليمين المتطرف في إسرائيل ونتنياهو نفسه، أن البرنامج النووي الإيراني لم يعد مخيفا، فقد تم تدميره وأن إيران لم تعد النمر المخيف، وهذا يعني أنه لن تكون حرب جديدة ضدها.
أما الرسالة الواضحة لنتنياهو والكنيست: لا ضم للضفة الغربية. لقد وعد الزعماء العرب بذلك وسيفي بوعده. المعنى الواضح أن حل الدولتين لم يعد مرفوضا منه.. وأن البرغوثي قد يكون الرجل الذي يقود الدولة الفلسطينية. لم يقل ذلك صراحة طبعا.. لكن الربط بين تفكيره في جزء من الحوار في موضوع البرغوثي، ورفضه للضم في جزء آخر يصل بنا إلى هذا الاستنتاج.





