فرشاة الأسنان البرتقالية

فرشاة الأسنان البرتقالية
نجاح الدروبي
خرجت الفرشاةُ من المصنع جديدةً.. برتقالية اللون من الوسط.. بيضاء من الأطراف، وذهبت في رحلة مع الموزِّع الذي أخذها إلى مكان إقامتها في إحدى الصيدليات، وهناك كانت ثلَّة من مثيلاتها ينتظرنها بفارغ الصبر، وقد أقمن في علبة أسطوانية أُحكم فوقها الغطاء، فكادت تلك الفُرَش تختنق من قلة الهواء وما إن فُتحت العلبة حتى استنشقت كلُّ واحدة منهنَّ كميَّة من الأوكسجين، وأفسحت مكاناً للفرشاة الجديدة التي أخذت محلها بتيه وافتخار، فأحسَّت المجموعة بالغيرة منها وبالحسد من لونها البرتقالي، الذي بدأ يشعُّ فيغلب على ألوانهنَّ الرمادية القاتمة قتوم الغيوم في فصلٍ خريفيٍّ حزين.
سُرَّت الفرشاة البرتقالية عندما شاهدت غيرتهن وداخلها شعور بالعجُب والزهو بالنفس، فتضايقت الصديقات منها وقالت إحداهن:
-لا تعجبي بنفسك كثيراً سيختارك أوَّل مشترٍ يدخل الصيدلية فتشيخين، وتهرمين بين أسنانه قبلنا وأنتِ في عزِّ صباك وحيويتك.
سرت موجةٌ من الحزن إلى قلب الفرشاة الجميلة فلفَّتها بشريطٍ من الأسى جعلتها تتخلَّى عن بعضٍ من كبريائها، لا سيَّما عندما سمعت كلام الأخرى وهي تقول:
-لا بدَّ أن تقعي في يد إنسانٍ جاهلٍ لا يعرف طريقة استخدامك على الوجه الأمثل كما حدث مع صديقتنا الفرشاة ذات اللون الأحمر، ثمَّ استرسلت ثالثة تقول:
-إنَّ أغلب الناس لا يتقنون هذه الطريقة التي تتجلَّى في وضع المعجون المخلوط بالفلورايد على الفرشاة، ثم تثبيتها على الأسنان وتحريكها بشكلٍ دائري.. ثم من الأعلى إلى الأسفل وبالعكس للحفاظ على اللثَّة قوية متينة، وللتخلُّص من طبقة البليك الصفراء التي تتشكَّل على الأسنان، بالإضافة إلى تنظيف الزوايا وما بين الأضراس والضواحك من جهة، والأنياب والقواطع من جهة أخرى.
ما إن سمعت الفرشاة البرتقالية كلامهن حتى حاولت التَّخلُّص من شعور الخوف الذي اعتراها، والتَّخفيف من انفعالها دون الردِّ عليهن، كونهن يقبعن في سجن هذه العلبة الدائرية الصغيرة منذ شهور ولم يخترهم أحدٌ حتى غدون كالثكالى..
عندما شاهدن عدم اكتراثها بهن شرعن يُضايقنها في المكان كلُّ واحدة من صوب.
وبينما هنَّ على هذه الحالة فُتح باب الصيدلية، ودخل رجلٌ وسيمُ الهيئة.. طويل القامة.. كثّ الشعر أغبره.. أبيض اللون.. ضاحك العينين.. وحيَّى السيدة بتحيَّة لطيفة، طالباً منها شراء معجون أسنان له.
بادلته الصيدلانيَّة التحيَّة وقدَّمت له ما طلب، لكنَّ الشاب رأى العلبة الدائرية فجذبته تلك الفرشاة البرتقالية الجميلة حتى أنه طلب من السيدة إعطاءها له.. اقتربت الصيدلانيَّة من العلبة وفتحت الغطاء ثم أخذت الفرشاة وأعطتها للشاب، وعيون صويحباتها تمتلئ بالحسد والغيظ من حظِّها الحسن الذي أوقعها بين يَدَي هذا الشاب المهذَّب.







