كتاب وشعراء

رجل مهزوم / بقلم الكاتبة المبدعة/ هدي فؤاد عبد الحفيظ البلد/ مصر

عاد هشام من عمله كالعادة، يعيش بمفرده في بيت واسع لكنه يضيق عليه في الليل الطويل ، ذهب أبناءه في طريق حياتهم وانشغلوا عنه منذ موت زوجته ، اعتاد الوحدة التي أصبحت مثل خيط العنكبوت الهش لا يريد إزالته والخروج إلي العالم ، وتلك المرأة التي جاءت فى لحظة وغيرت أيامه تلك الحقيقة الغائبة عن قلبه ربما قلبه يصرخ :

– لا تتركها

بينما قلبه يرفض حبها له ، فارق السن بينهما جعله يخاف عليها ، كان يصفها بأنها جميلة ورقيقة ، قطعة من الحلوي التي تجعل العقل ينتشي والقلب يهدأ ، صوتها العذب أشبه بأغنية قديمة لأم كلثوم تطرب معها الروح ، إنه خائف أن يبادلها العشق ثم يأتي عليها يوم وتختفي ، إنها قطعة من الألماس الحر … نادرة الوجود في زماننا هذا ، إنه يريد أن يستسلم وينتهي يومه في حضنها تواسيه مر الأيام وجفاء الليالي المظلمة ، لكنه يظن أنها تراه رجل مهزوم من الحياة ، لكنها تراه قمر لياليها المظلمة ، البلسم الذي نزل علي قلبها العليل فعاد نابضاً بعد طول رقاد ، لو كان بيدها الأمر ، كانت أهدته قلبها يمتلكه مدي الحياة ، تمنحه حياة سرمدية في عشقها ، إنها تريد أن تهديه النور الذي يملأ قلبه بالحب معها ، إن قلبها جنة وعينيه جحيمها ، يعلم مدي تعلقها به ، لا تري في الكون بأكمله رجلاً يجلس علي عرش قلبها مثله … يغضب ويفرح ويصمت ويغيب وهو يعلم أن عينيها تتأمله في هيام ، إنه يعلم مدي لوعة الحب التي تعيشه معه ، إن أحلامها تزورها علي قلبه الذي يفيض بالمحبة ، لكنه أختار العذاب لها ، أهداها لوعته ووقف يتأمل موتها بالبطيء كل ليلة ، إنه يهلك قلبها الصغير ، الذي بات معافر ، لا يريد أن يتخلى عنها وتغادر نبضاته دون رجعة .

يزداد تفكيره بها كل ليلة ، يتخلى عن عقله وهدوءه من أجلها يعلم أنه قريب ، مالكاً لها ، لكن غيرتها المعهودة وقلبها البريء تجعله يقف علي عتبة الحب ويغامر بالهجر الذي طعن روحها وجعل قلبها ينزف من الهجران ، لماذا يعاند قلبه ؟ كيف يرفض قلبها الصغير ، إن براءتها تدغدغ كيانه ، كيف لرجل مهزوم في رجولته أن يستعيد حقه فى الحياة والحب ؟ إنه يريد أن يبني حياة جديدة ويسكن قلبها للأبد ولكنه مهزوم من الحياة ، خائف أن يعيش تجربة فاشلة ، لا يعلم كم تحبه ، لكنه يعلم أنها طوق نجاة أهداه له القدر في لحظات اليأس والاحتياج ، إنه يحتاج إليها … يريدها معه ، لكنه مهزوم بالعاطفة ، تلك الجروح التي سطرها الزمن علي ملامحه نالت منه جعلت من الشيب وسيلة للهروب من واقعه المؤلم وماضيه الكسير لكنها أقسمت له أن الحياة معها خالدة وسعيدة ، إن الحياة الغائبة عنه ستزوره ولا تبرح قلبه الطيب ، إن هدايا الدنيا تأتي بغتة لكنها حقيقية ، إنها تريد استسلامه وليست هزيمته أمامها ، أن يزيح جبال الهم ويفتح قلبه الموصد بأقفال يأكلها الصدأ من سنوات عجاف عقدت مع قلبه اتفاقية صبر علي الأوجاع حتي مر خريف أيامه واستسلم إلي أحزانه ، إنها تريد أن تحارب تخاريف الوحدة وتزرع الأمل بستاناً في قلبه الطيب ، إنها تريد فرصة أخري تمنحه الأمان ، إن المهزوم يري أن الحياة انتهت فصولها في عينيه إلى أن يزوره العشق ذات ليلة يحتل كل كيانه حتي يعترف به وبها علي الملأ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى