كتاب وشعراء

في ضيافة المطر…بقلم عبد الخالق برغوط

المكان
طاولة مُنزوية بمقهى * بلزاك *
الزمان
ساعة يدي المعطلة بلا حراك
كعادتي بعد الرجوع من العمل
بعد دوام يوم حراسةٍ
بمستودع باهتٍ يُشعِرني بالملل
ها أنا أرتشف فنجان قهوتي بالڤانيلا
و رغيفَي كريپ بالعسل
ألِفت الجلوس وحدي بالمقهى
بغرفتي
فوق السطوح و المستودع
قليل الكلام
قليل السلام على معارفي
فما عُدت أسمع
غير أغاني ” جاك بغيل ”
” إيديث پياف ”
” خوليو إغليسياس ” لا أكثر
و ” ماجدة الرومي ”
تطاردني ب { كان هناك جالسا } في وحدتي
و أغنية { مطر } تزيد رعشتي
تُدنيني من الشتاء و برده القاسي في نوفمبر
تُبقيني خلف الغباء الذي قادني للهجرة
من ريف فرنسا إلى تورنتو قبل تسعة أشهر
باحثا عن ” أوجيني غرانديه ”
بين روايات ” بلزاك ” و عُتمة التيه
في دخان سيجارة عِفت أوكسيد كربونها المسموم
و ربما يكون خوفي غدا
مِن بياض ذاكرتي و البصر معدوم
بعدما كان قدري مُسطّرا و محتوم
أن أُغرم بفتاة يزورني طيفها كلما أويت للنوم
فتاة أراها بالمقهى كل يوم
تقعد على طاولة منزوية هي الأخرى
تتنهد حزن قلبها ثارة
و تُطالع وجهها في المرآة ثارة أخرى
أمَا كان لها أن تتمتع بقهوتها
بعصيرها
بكعكة الفراولة التي انسابت على شفتيها دون انتباه؟
أمَا كان لها أن تتمتع بجمالها
رفقة حبيب يمسك يديها
يغازلها
يُراقصها على إيقاع { لا تتركيني } و ينسيها الآه؟
أمَا كان لي أن أدعوها لشرب فنجان قهوة
في عُتمة الصمت
و الحنين نُحيي ذكراه؟
ما أبلدني في ساعات الغرام أخجل!
في لحظات الرومانسية أخرقٌ
أحمقٌ
أهبل!
و أنا الذي إن كتبت قصيدة جعلت ملكة الجمال
بمحبتي تقبل
حملت الرواية و قهوتي
و مشيت نحوها مترددا
أفكر في ألف حجة و الكلام معها متعمدا
كلّي أمل أن لا يخيب قلبي متجمَّدا
مِن رفْضِها الكلام معي
فبادرتها التحية
مرحبا…
أرجوك أن تسمعي
و نسيت اعتذاري لو قاطعت خُلوتها تطفّلا
أراك دائما منعزلة
و الدمع في عينيك زاد تَوَغُّلا
هل مِن مانع لو جالستك و بُحتُ لكِ بإعتراف
فقاطعَتني بابتسامة خفيفة لا تكاد تُبين
و أنتَ منعزل كحالتي يا مسكين
فأين الجديد في قهوتنا معا
و أين هو الإختلاف
قلت لها
أحببت جوابك دون انزعاج
أحببت هدوءك و لطف الاختلاج
أحببتك
بل أحبك و أطلب يدك للزواج
ابتسمَت ولفتَت انتباه حاضريّ القاعة
تقولها ببساطة هكذا أم اكتسبت الشجاعة
من صمتك طويلا؟!
فاعتقدت أن كلامنا قد يصيغ لعُزلتنا نتيجة
أو حلّا بديلا
أنت لا تعرفني
فأنّا لك أن تحبَّني دون البنات؟!
أنّا لك ان تزورني في رحم النهدات؟!
و الكُحل الأسود من عيني يتساقط آهاتٍ… آهات؟!
لا أريد أن أبكي ثانية
لا أريد أن أحبك و انتظرك كما انتظرت ” شارل ”
بعدها تناديني ابنة عمي
أبي مفلس حاليا
و ثوبي كما ترى باليا
فلن أتنازل عن ممتلكاتي و الذهب
و لن يزيد بهجرك حزني و ألمي
ندمي على حبك و الذكريات كالنُّدب
على اغترابك طول السنوات الخالية
لا أريدك أن تحبَّني إشفاقا على حالي
فربما قلبكَ ما زال مرتبطا بغيري
و بي لا يبالي
آسفة يا من تحبني فمهري غالي
قلت لها اشترطي كما تحبين
و أحبيني
فما غيرك و الله تعنيني
فردّت
ما لي شرط غير الماضي تُنسيني
و تُقصي من هاجرتَ لأجلها و تُدنيني
فصرختُ بصوتي عاليا
وجدتكِ يا ” أوجيني غرانديه ”
يا ” ابنة البخيل ”
فقالت
إشتقت للأرياف و نسيمها العليل
و أرضى الحياة معك و لو بالقليل..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى