فيس وتويتر

هاني الكنيسي يكتب :معركة ترمب “الإمبراطوري” ومادورو “الصدّامي”.. بين نقص “الغطاء” ودروس التاريخ

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

على هامش دراما الحرب “الكلامية النفسانية” بين الإمبراطور البرتقالي وغريمه (الشيوعي) العنيد ‘ نيكولاس مادورو’، استوقتني الصورة المنشورة (مرفقة بالبوست) للرئيس الفنزويلي بلباسه العسكري أثناء زيارة حديثة لقاعدة ‘فورتي تيونا’ Fuerte Tiuna العسكرية جنوب العاصمة كاراكاس، حيث يتولّى خبراء روس من وحدة النخبة ‘روبيكون’ تدريب العسكريين الفنزويليين على تشغيل أحدث طائرات الدرونز (المسيّرات) الانتحارية من طراز FPV .
وبعيدا عن فحوى الخبر الذي تداولته مواقع استخباراتية غربية في سياق استعدادات فنزويلا لهجوم أمريكي محتمل، بعد إرسال ترمب أكبر حاملة طائرات في ترسانته (جيرالد فورد يو إس) إلى مياه الكاريبي للمشاركة في مناورات بحرية مع ترينداد وتوباغو المحاذية للسواحل الفنزويلية، فقد استوقفني أمر مختلف: الشبه العجيب بين “إطلالتي” مادورو في لباسه العسكري والزعيم العراقي الراحل صدام حسين في حلّته العسكرية.
قفز إلى ذهني، أن التشابه بين الزعيمين ليس فقط في الإطلالة والشارب أو في “هيبة” الصورة بالزي العسكري، وإنما ربما في الظروف التاريخية والملابسات الجيو-سياسية التي دفعت كل منهما للصمود “مضطرًا” في وجه قوة العالم العظمى.
كانت صور القائد المهيب الركن صدام حسين متفقدًا وحداته العسكرية وقواعد صواريخه تملأ الدنيا قبل أشهر أو سنوات من غزو بلاده وإسقاط تمثاله البرونزي في قلب بغداد، ثم إخراجه من مخبئه ومحاكمته وإعدامه على الهواء فجر أول أيام عيد الأضحى عام 2006.
هل يلقى مادورو على يد ترمب مصير صدام على يد جورج بوش الابن؟ سألتني نفسي.
في حديثه الليلة الماضية مع الصحفيين بالبيت الأبيض، لم يستبعد ترمب العمل العسكري على الأراضي الفنزويلية، وهو الذي كان قد أعرب قبلها بيوم واحد عن الحوار “الدبلوماسي” ولقاء محتمل. أما مادورو الذي رحّب “إعلاميًا” بفكرة الحوار “وجهًا لوجه”، فعاد ليؤكد أمام أنصاره أن الحشد العسكري الأمريكي واستمرار الضربات على قوارب تهريب المخدرات (المتهم بتسييرها) قرب شطآن بلاده تهدف إلى الإطاحة به وبنظامه المناهض للإمبريالية الأمريكية.
وبرغم أن ما يجري -حتى الآن- بين الغريمين يبدو أقرب للعبة شد وجذب سياسية أو لحرب كلامية منها إلى تصعيد ميداني حقيقي، تتواتر التحليلات عن احتمال أن يتحول الكلام إلى فعل دون سابق إنذار، وتتناقل الصحف تسريبات عن خطط جاهزة لإنزال أمريكي وشيك لا يؤخّره إلا حاجة ترمب لغطاء دبلوماسي أو شعبي، مثلما فعل سلفه بوش الابن لتسويغ غزو العراق واحتلاله.
وفي هذا السياق، تحدثت تقارير إعلامية عما وصفته بخلاف أو “انقسام رؤى” بين رئيسة الاستخبارات الوطنية الأمريكية ‘تولسي غابارد’ (DNI) ورئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)’جون راتكليف’، بشأن استراتيجية التعامل مع فنزويلا. إذ يدعو ‘راتكليف’ إلى موقف متشدد وهجومي (وهو ما يحظى بدعم وزير الخارجية ‘ماركو روبيو’)، في حين تقود ‘غابارد’ جبهة المعارضين للتدخل العسكري.
ويرى مراقبون أن جوهرا الاعتراض ينبع من أن الحديث عن العمل العسكري ضد فنزويلا يعيد إلى الذاكرة الأمريكية هواجس تاريخ “مشين” من التدخلات العسكرية والعمليات الاستخباراتية لإسقاط أنظمة وحكومات (منتخبة ديمقراطيا) في أمريكا اللاتينية التي تعتبرها واشنطن فناءها الخلفي وعمقها الجغرافي “المضمون”.
فمنذ بدايات القرن الماضي، قاد الجيش الأمريكي في القارة الجنوبية ما عُرف باسم “حروب الموز”، تحت شعار حماية المصالح التجارية والزراعية، وفي سبيل ذلك تم غزو كوبا وبنما أكثر من مرة، ثم احتلال نيكاراغوا والدومينيكان وهايتي وغيرها لفترات طويلة.
وفي فترة الحرب الباردة، تحول التركيز الأمريكي إلى إلى محاصرة المد الشيوعي وتدبير الانقلابات ضد القادة اليساريين (المنتخبين غالباً). وهو ما حدث في
غواتيمالا (1954)، وكوبا (1961)، والبرازيل (1964)، وبوليفيا (1971)، وتشيلي (1973). وكانت لعمليات السي أي ايه (CIA) السرّية القذرة الفضل الأعظم.
وفي العقود الأخيرة، واصلت واشنطن تدخلاتها في أمريكا اللاتينية تحت شعار
“تعزيز الديمقراطية ومكافحة تهريب المخدرات”، فغزت قواتها غرينادا عام 1983، ثم بنما 1989 (أطاحت بحليفها السابق ‘مانويل نورييغا’ عميل المخابرات المركزية وتاجر المخدرات)، وبعدها هايتي مرتين عندما تدخل الجيش الأمريكي لإعادة الرئيس المنتخب ‘جان برتران أريستيد’ عام 1994، ثم للإطاحة به في عام 2004 !!
وفي ضوء ذلك التاريخ “الثري”، يمكن استنتاج ما قد تفعله الولايات المتحدة مع فنزويلا التي ظلت شوكةً مؤلمة في خاصرتها اللاتينية، منذ عهد سلف مادورو الديكتاتور اليساري ‘هوغو تشافيز’ الذي تحدّى واشنطن “بتروليًا”، وتحالف مع الأعداء إيران وكوبا، وقارن جورج دبليو بوش بهتلر النازي.
شبكة ‘سي إن إن’ CNN التي نالت شهرتها الدولية بفضل تغطيتها الحية للحروب الأمريكية على العراق، وبرغم تشكيكها في “الجدوى الاقتصادية” لأي عمل عسكري كبير ضد فنزويلا تحت ستار الحرب على المخدرات، لا تستبعد أن يسعى ترمب لإسقاط نظام مادورو -المنهار نفسيا والمتأزم اقتصاديا- بأسلوب “الصدمة والترويع” الذي تبناه بوش في العراق وأفغانستان: سلسلة من الغارات الجوية العنيفة لتدمير البنى التحتية للجيش الفنزويلي (مدارج الطائرات، والدفاعات الجوية، والقواعد العسكرية) يعقبها اجتياح بري. ثم لا تلبث أن تستدرك ساخرةً “لكن مثل تلك الحرب التي تفتقر لقرار أممي، ستحتاج إلى ترحيب شعبي من داخل فنزويلا .. في العراق، حتى الحجج الباطلة والمُضللة عن أسلحة الدمار الشامل لإسقاط صدام حسين، اصطدمت بشعب قاوم الاحتلال وطرده لاحقًا”.
يعني بالذمة مش معايا حق في تأمل أوجه “الشبه” بين مادورو وصدّام ؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock