كتاب وشعراء

لا جواب لأقدمه لها مع نهاية هذا الخريف واستفحاله…..بقلم عمر لوريكي

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

اختليت بها وهي باردة كصقيع نهايات الخريف، يداها قد جف منهما الدم ورموشها مقطوعة بلا سبب، سوى هذا التقبل الغريب جوار مرور الرياح الغاضبة، وقد صارت أشبه ما يكون بزهرة ذابلة الألوان رغم الجمال المكنون خلف هذه الصورة التي أرادت رسمها لي.
اختليت بسكونها وأنا أتمعن في قسوتها وهي تخلع ما عليها من كساء يشبه كساء الدهر. إنها الآن ترغب وبشدة في التضور قبل مجيء الشتاء. لا تريد أن يغسل آثامها وهي غير مقتنعة بها البتة. لقد أضحت شاردة الإرادة وهي بهذا العجز المستولي على كل ماضيها، المتقمص وفقط ما ستكون عليه، ولا معنى من المعاني كان حريا بأن يمسك جأشها ليشي بما أسرت في خاطرها.
وقفت لأجيبها عن أمسي ثم أنهمر مع الدرج لأنصرف باتجاه بيتي، لكنها أمسكت بما تبقى لديها من أمل ضئيل بقميصي وكادت تقد دبره.
التفت مستأذنا النزر القليل من الوقت الممنوح لي. نظرت مطولا في عينيها وكانت حينها تتكلم كالسقوط التراجيدي لحبات البرد الحزينة، متخلية عن شنآنها وعزتها التي أنشأت معها قبل أن تعرفني، بينما لم أتذكر أي شيء مما قالته. لقد استغرقت زمنا طويلا في وجهها حتى صار علامة وآية من آياتي التي أستكين إليها، لكنني لا جواب لأقدمه لها مع نهاية هذا الخريف واستفحاله…لا جواب سوى المزيد من التأمل في جسدها وهي تنخره وتنهشه وأنا أشاطرها هذه التعاسة من التفكير للاشيء.
كانت ربما تلح في الحجج أو ربما كانت تختلق الأعذار أو تخيط شبكتها الأنثوية لأقع ضمنها وأرتاح فيها، لا أدري؟ ربما كل هذا أو غيره. لكنني لم أعد أذكر أي شيء مما قالته لحظتئذ، سوى خديها وأنا أمسك بهما بليونة بعد تقبيلها، ثم الانصراف.
لقد تأكدت فعلا أنها أتت هذا اليوم على غير عادتها، واستأثرت بالبرودة على الحرارة التي ألفتها. لم يبق لها أمام هذا الجمود القاسي وهذه الاستكانة الغريبة للموت والحتميات سوى الرضوخ لواقع الأمر والتحلي بالإيمان الكافي لتقتنع بأن كل يوم يمر عليها إنما هو نهاية مصغرة عن النهايات المقبلة، صعبة التقبل والتكيف في الآن نفسه…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock