غير مصنف

رسائل.. شعر: عائشة بريكات – سوريا

رسائل

الخامسةُ فجراً
كتبتُ:
“اشتقتُ إليكَ بطريقةٍ تُشبه التوسّلَ
لكنّي ما زلتُ أمتلكُ من الكبرياءِ
ما يمنعُ إصبعي من الضغطِ على زرِ الإرسال”.
ثم مسحتُ كلَّ ذلك
كأنّي أمحو اعترافي قبل أن يُولدَ

السابعةُ صباحاً
المدينةُ تستيقظُ وأنا لم أنمْ بعد،
أحملُ بين ضلوعي رسالةً
تسعلُ من فرطِ احتباسِها
أعرفُ أني لو أرسلتُها
لخسرتُ نفسي مرتين

التاسعةُ الآنَ
“كلُّ شيءٍ يُشبهُكَ إلا حضورَكَ”.
ثم محوتُ السطرَ سريعاً
خفتُ أن أبدو ضعيفةً أمامَ الفراغِ
و الأكثرُ خوفاً أن أعتادَ غيابَكَ كمن يربّي خساراتِهِ على مَهل

الثانيةَ عشرةَ ظهراً
مرَّ الوقتُ ولم يمرَّ عني،
أصبحتُ خبيرةً في تأجيلِ الكلماتِ
وفي إخفاءِ اللهفةِ خلفً ابتسامةٍ تحفظُ ماءَ الوجهِ
أكتبُ جملةً ثم أتركُها تموتُ
على أطرافِ اللغةٍ

الرابعةُ عصراً
أرى ظلَكَ يعبرُ خيالي
كأنك لم تغادرْهُ يوماً
لكنّي لا أمدُّ يدي
تعلمتُ أن أتركَ الغيابَ في مكانِهِ
كي يظلَّ يحنُّ إليّ

الخامسةُ مساءً
كتبتُ رسالةً طويلة
لم تكنْ لكَ تماماً
لكن كلَّ جملةٍ فيها كانتْ تُشيرُ إليكَ خِفيةً
ثم مسحتُها بهدوءٍ
فالكبرياءُ علّمَني أن أختارَ الصمتَ
حين يكونُ الكلامُ جرحاً يلمعُ

السابعةُ مساءً
أعيدُ قراءةَ كلِّ ما لم أرسلْهُ
أجدُني امرأةً أنيقةً في هزيمتِها
جميلةً في صبرِها
تُداري عطشَها كما تُداري الكواكبُ أسرارَها عن الضوءِ

التاسعةُ مساءً
كتبتُ جملةً واحدة:
“حين تهطلُ أنتَ، لا يحتاجُ الوقتُ إلى سماءٍ”.
ثم حذفتُها،
لأن المطرَ لا يُكتَبُ لمن صارَ هو الغيمُ
ولأني خفتُ أن تُدركَ أن كلَّ ما فيّ
ما زالَ عَطِشاً لك

العاشرةُ ليلاً
المرآةُ أمامي متعبةٌ
كلّما نظرتُ إليها أعادتْ لي وجهيَ القديمَ
ذاك الذي لم يعرفِ الانتظارَ
قلتُ: “أعيديه بلا ملامحَ،
فأنا لم أعدْ أرغبُ أن يُشبهَني أحدٌ”.

الثانيةَ عشرةَ منتصفَ الليلِ
آخرُ رسالةٍ تقولُ:
“لن أكتبَ بعدَ اليومِ
ليس لأنّ الشوقَ انتهى
بل لأنّ الكتابةَ صارت تُشبِه الركوعَ”.
ثم أطفأتُ الهاتفَ
وجلستُ على حافةِ ذاتي،
أعدُّ خساراتي بهدوءٍ يُشبهُ الشجاعةَ

الثالثةُ فجراً
أيقظَني صمتُكَ،
كان يدقُّ بابي كضيفٍ يعرفُ أنه غيرُ مرحّبٍ به.
أعددتُ له قهوةً من حنينٍ بارد
وجلستُ نقيضَ نفسي،
امرأةٌ تعرفُ أنها تشتاقُ،
لكنها لا تعترفُ

في الصباحِ…
لم أكتبْ رسالةً جديدة
فتحتُ نافذتي فقط
ورأيتُ الغيمَ يمرُّ خفيفاً فوق قلبي
ابتسمتُ مطولاً
فقد عرفتُ أخيراً أنَّ النجاةَ
ليست أن يشتاقَكِ أحدٌ،
بل أن تكتبي كلَّ رسائلِكِ له
ولا تندمي على عدمِ إرسالِها.

عائشة بريكات – سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى