غير مصنف

طفلٌ يَغارُ على أمِّهِ.. شعر: لِمين مساسط

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

ماذا يعني
أن أتشبّثَ بأفلام نيتفليكس ليلاً،
كأنني أهربُ من شيء لا أعرفُ اسمَه؟

ماذا يعني
أن أخرجَ مع الأصدقاء،
أتسكّع بلا وجهة،
وأتظاهر بأنَّ كلَّ شيءٍ بخير
بينما داخلي غرفةٌ بلا ضوء؟

وماذا يعني
أن أختفي في عطلةِ نهاية الأسبوع
إلى مخيَّمٍ بعيد،
لا إرسال فيه ولا اتصال،
كأنني أغسلُ رأسي من ضوضاء العالم،
ومن ضوضائك أيضاً؟

أتساءلُ…
هل أنا متعجرفٌ فعلاً؟
رجعيٌّ لهذه الدرجة؟
أم أنَّ قلبي هشٌّ
ولا يعرفُ كيفَ يقفُ على قدمَيْهِ؟

أنا أعرفُ حياتي،
لكن هذا لا يمنحني حقّ الطيش،
ولا يسمحُ لي
أن أتركَكِ وحيدةً
تحرسينَ شاشةَ الهاتفِ،
تنتظرينَ رسالةً تتأخَّر،
أو اعتذاراً لا يجيء

ربما أنا كوبٌ فارغ،
يصدر صوتاً بلا معنى
كلما وضعته على الطاولة

أفكّر بكِ
وأنا أتخيّلك تطلّين من النافذة،
تحاولينَ صناعةَ ضجيجٍ بسيط
ليهبَّ قلبي نحوك.

ترتِّبين الخزانةَ من جديد،
كأنَّ ترتيبَ الأشياء
يهدّئ الفوضى التي تركتها في صدرك

تضعينَ المكياجَ
لا لأنَّك تريدينَ الخروج،
بل لأنَّ النساءَ يعرفن
أنَّ المرآة أحياناً
تربّت على الوجع.

تقرئينَ الرسائلَ القديمة،
تفتِّشينَ في الصور،
تعيدينَ ترتيبَ اللحظات
وفقَ توقيت الحنين،
تسقِطين يوماً فوق يوم،
وكلمة فوق كلمة،
وكأنَّكِ تحاولينَ ترقيعَ الغياب
بخيطٍ من الذكريات

أنا أعرف…
أعرف أنكِ لا تطيقينَ الوحدة،
ولهذا تصنعين كلَّ هذه الجلبة،
وتستمرِّين في النكد
والبكاء
والعتاب الذي يشبهُ طرقاً خفيفاً
على بابٍ مغلق.

وأعرفُ أنَّكِ تحاولينَ السيطرة عليّ:
تخاصمينني،
تحظرينني،
تتجاهلينني،
تعاندينني،
لكنّك في كلِّ مرَّة
تسقطين في الحفرة نفسها:
حفرة الحبّ.

الحبّ يا صغيرتي
يصنع منّا نسخاً ضعيفة جدّاً،
يرغمنا على الركض
خلفَ ظلّ لا نراه،
ويكشف هشاشتنا
كأنَّ أحداً ينزع جلد القلب
ليتأكَّدَ أنَّنا مازلنا ننبض

أعترف…
أنا حبيبٌ فاشل،
وأنت ضحيَّةُ هذا الجنون
وهذا الشوق الذي لا ينصفك،
ولا يعرفُ الاعتدال

لكن لا تخافي،
حين أختفي أو أهرب أو أبتعد،
فأنا لا أرحلُ عنكِ،
بل أحاولُ أن ألفتَ انتباهك،
أن أوسِّعَ قليلاً من مساحةِ القلق
كي يزدادَ الحبّ،
كي تتمدّدَ اللهفة،
كي نعيشَ علاقةً
لا تشبه علاقات الآخرين

أريد حبَّاً
يشبهُ البورصة:
متقلّباً،
مندهشاً،
مفتوحاً على احتمالاتٍ كثيرة،
لا يملكُ أحدٌ منَّا
قدرة التنبّؤ بما سيحدث بعد لحظة

أريدُ أن أقفزَ نحوك
بهذه الوحشيَّة،
بهذا الارتباك،
بهذا الإفراط الذي لا يشبهُ أحداً،
أريد أن نكونَ دائماً
في محلّ شك،
كأنَّ علاقتَنا لغز،
كأنَّ مستقبلَنا
يتنفّسُ على حافةِ الخطر

أنا أفعلُ ذلك عمداً،
كي لا تفكّري في أحدٍ غيري،
كي لا يتحوّلَ قلبي
إلى مجرد احتمال

أنا لا أسمحُ لكِ أبداً…
ولا أريدُ أن أسمح

أنا طفلٌ
يغارُ على أمّه،
وأنتِ الأمُّ التي
تعيدُ ترتيبَ فوضاي
وتتركينَ البابَ نصف مفتوح
حتى أعود

لِمين مساسط 🥀

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock