غير مصنف

بيوت بلا روح: كيف سرقت التكنولوجيا سكينة القلوب؟! بقلم: د. سهير يوسف سحويل

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

في عصرٍ تتسارع فيه الخُطا وتتلاحق فيه الابتكارات، وجدنا أنفسنا محاطين بأدوات حديثة وُجدت لتسهّل حياتنا، لكنها في غمرة انشغالنا بها، سلبت منا دفء العلاقات وسكينة البيوت. لقد تحولت الأجهزة التي بين أيدينا من مجرد أدوات إلى حواجز صامتة تفصل بين أفراد الأسرة الواحدة، فاجتمعوا جسداً وتفرّقوا روحاً، كلٌّ في عالمه الافتراضي الخاص.

قلوب تحجّرت خلف الشاشات:
لقد غزت التكنولوجيا الحديثة، وخاصة الهواتف الذكية، كل بيت، وأعادت تشكيل علاقاتنا الاجتماعية. أصبحنا نعيش حالة من “الحضور الغائب”، متصلين بكل شيء عبر الشاشات؛ ومنفصلين في العمق عن أنفسنا وعمَّن حولنا. هذا الانغماس الرقمي المفرط أدى إلى تآكل التواصل الحقيقي، حيث حلّت الرسائل النصية والتفاعلات الرقمية محل الأحاديث الدافئة والجلسات العائلية الحميمة، ما أضعف الروابط الشخصية والعاطفية.
إن الإفراط في استخدام هذه الأجهزة لا يؤثر فقط على العلاقات، بل يمتد أثره إلى الصحة النفسية والجسدية، حيث يزيد من مستويات القلق والتوتر ويؤدي إلى اضطرابات في النوم.
لقد أصبح الكثيرون يعانون من حالة قلق بمجرد ابتعادهم عن هواتفهم، وهو ما يُعرف بـ “النوموفوبيا” أو الخوف من فقدان الهاتف. هذا الارتباط المرضي يخلق عزلة اجتماعية حتى داخل الأسرة الواحدة، ويجعل الفرد غريباً في بيته.

بيوت فقدت الدفء:
كانت البيوت يوماً ما ملاذاً للسكينة والراحة، ومكاناً تجتمع فيه الأسرة لتتبادل أطراف الحديث وتتقاسم همومها وأفراحها. أما اليوم، فقد تحولت هذه البيوت إلى ما يشبه الجزر المنعزلة، حيث ينشغل كل فرد بجهازه، ما أدى إلى فقدان الدفء الأسري والتماسك الاجتماعي. يصف الخبراء هذه الحالة بأننا “مجتمعون ولكننا وحيدون”، كل شخص يعيش داخل فقاعته الرقمية الخاصة.
لقد أثر هذا التحول بشكل كبير على الأطفال الذين أصبحوا أكثر الفئات تأثراً، حيث يمكن أن يؤثر الاستخدام غير المراقب للتكنولوجيا على نموهم العقلي والعاطفي.

استعادة السكينة المفقودة:
على الرغم من أن التكنولوجيا أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، إلا أنه يمكننا التحكم في تأثيرها السلبي. يكمن الحل في الاستخدام الواعي والمتزن لهذه الأدوات الحديثة وتحقيق التوازن بين العالم الرقمي والحياة الواقعية.
ومن الخطوات التي يمكن اتخاذها لاستعادة السكينة المفقودة:
-تخصيص أوقات خالية من التكنولوجيا: من الضروري تحديد أوقات معينة خلال اليوم تكون مخصصة للعائلة فقط، بعيداً عن شاشات الهواتف والأجهزة الأخرى، ما يُعزز الروابط الأسرية.
-تشجيع الأنشطة الجماعية: يمكن للأنشطة المشتركة مثل الرياضة أو الألعاب الترفيهية أن تساهم في تقوية العلاقات داخل الأسرة.
-وضع قواعد واضحة للاستخدام: يجب الاتفاق بين أفراد الأسرة على قواعد محددة لأوقات وكيفية استخدام التكنولوجيا لتحقيق التوازن المطلوب.
-العودة إلى الذات: إن السكينة الحقيقية تنبع من الداخل، من خلال الاتصال الروحي والرضا والتأمل بعيداً عن ضجيج العالم الرقمي.

في الختام، التكنولوجيا سلاح ذو حدين، والإنسان الحكيم هو من يستفيد منها لتسهيل حياته دون أن يسمح لها بأن تسيطر عليه وتسلبه جوهر علاقاته الإنسانية وسكينته الداخلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock