غيث الإشتياق» بقلم الكاتبة _بـرآءة الرجوي _ اليمن.

لقد وصلني غيثك الحامل معه رياحًا معطرة بالاشتياق، وقطرات تحمل عبق حنانك وحبك الفائض، يا مالك فؤادي.
لا أدري هل ما أنا عليه الآن اشتياق أم مرحلة من الموت البطيء من الشوق.
أشتاق إليك مع الغروب والشروق، أحن إليك في دمعة والبسمة، كما ذكرت، أناملك فقد دفنت في شوق لا نهاية له.
فالدقائق تمضي كدهر طويل، نركض فيه دون توقف.
عندما ألامس أحرفك ورسالتك، أتمنى لو أن الساعة تتوقف والعالم يختفي بأكمله لأختلي بهمساتك النابعة من عمق الاشتياق والغربة الموجعة.
أصبحت كنجمة لا تجد سماءها، وغيمة تشتاق لغيثها الفائض.
لتعلم يا غيثي بأن حبي لك أحد جدران هذا الصبر النازف بمرارة، وجزء من لوحتنا التي لم تكتمل وتركت في المنتصف. لا تقلق، فلا مسافات تحبسنا ولا قوانين تسجننا، فأنت متربعًا على عرش قلبي، مترأف به وفيه.
نعم، أعلم ذاك الموت، فهو يغرس فيني كخنجر مسموم في كل ثانية.
أشعر وكأن إبرتي كسرت وتبعثرت، وكأن قدمايّ لم تبتر بل شُلت أمام أعُيني، ولا أستطيع فعل شيء.
عزيزي غيث، وكأن رسالتك مرآة أرى بها تفاصيل حزنك ونكسارك الدامي، تمسك بخيالي الهارب إليك، ورتب معه أحزاننا على قارعة الأمل لا النسيان.
وتذكر دائمًا بأني كيانك الذي لا يموت.
أكتب لك بوجعي الذي لم يبرأ، فما وصلك صحيح، فقد ألقوا بها في حفرة لعينة تدعى زواج القاصرات.
جعلوا من طفلة بريئة جثة هامدة تحت خرافات المجتمع المتخلف.
فقد تركت تلك اللعبة دون أن تبلى من اللعب، وتلك الأحلام دون أن تطير على أجنحة الأمنيات.
صدقني بأني لا أهتم كثيرًا كيف سيكون حال أمها، لماذا لم تفعل شيئًا يمنع هذا الأمر، لماذا لم تضحي من أجل طفلتها التي تنزع كالوردة من بين يديها، لماذا جميعهم مجرمون، أبًا وأمًا وزوجًا وظروفًا ومجتمعًا صفقوا على جثمان عصفورة كسيرة، جميعهم مجرمون بقدر صمتهم.
هالة كانت طفلة هادئة، عينيها كبحر يغرق المرء به، تعشق اللعب والضحك، أحلامها بسيطة جدًا، مثل أن يكون يومها دون أن تأخذ توبيخًا من أبويها، كانت تعشق السماء والطيور.
حتى هل تعلم كانت تحدثني، ليتني عصفورة أحلق في أفق السماء، ولم تدري بأنها حلقت دون رجعة.
أتذكر يومًا من الأيام أخبرتني بأنها تريد أن تكون محامية وبطلة للأطفال.
رحلت، رحلت ضحية عادات جاهلة رسخت في عقولهم، وطمع بجهة ومال.
رحلت تاركة خلفها أحلامًا لم تتحقق كلوحتنا تمامًا.
وختامًا، اسمع غيمتك غيثها، فلقد اشتاقت لصواعقها.









