كتاب وشعراء

هي….بقلم أماني الوزير

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

هي:
ما كنتُ أكتبُ عنه، كنتُ أتنفَّسُه.
كان حضورِي في غيابِه أصدقَ من حضورِه،
وكان اسمُه يُشعِلُ فيَّ المواسِمَ حتّى وأنا في أوجِ البُرودة.
لم يكن رجلًا فحسْب،
كان اتّساعًا ألوذُ إليه، ومأمَنًا يُربِّتُ على قلقي كما تفعلُ الأغنيةُ بأوجاعي.
كنتُ أظُنُّ أنّي أعرفُ الحنان،
حتّى هَمَسَ لي بكلمةٍ فارتجفَ العُمرُ فيَّ،
وولِدَت بين كفَّيَّ القصائد.
أعرِفُه؛
في انعكاساتِ ظلّي فوق جدران الذاكرة،
وعلى ارتجافاتِ البحيرةِ الساكنةِ في قلبي،
كلّما رَجمتُها بالشوق.
كان يعرفُ متى يَصمُتُ ليُربّي الطمأنينةَ في صوتي،
فتخرجُ الأُحبُّكَ — دافئةً —
كان يزرعُ دهشتي بين كفَّيْه،
فيجعلُني أصدِّقُ أنَّ الحبَّ لا يحتاجُ وعدًا ليصيرَ أبديًّا.
كلّ الرجالِ بعده يُشبهونَ استراحةَ المسافِر،
يُدفِئونَ الطريقَ ولا يُغيّرونَ الوجهة.
وحدَه كان الوطنَ… والعلامةَ الفارقة.
لم أكُن عاشقةً له فحسْب،
كنتُ أؤمِنُ أنَّ قلبي خُلِقَ ليُحسِنَ استقباله.
هو أوّلُ نداءٍ فاضَ من صدري بصِدقٍ كامل،
وآخرُ رجاءٍ ما زال يُقيمُ فيَّ بهدوء.
سلامٌ عليه في كلِّ غروبٍ لم أُشارِكه فيه،
وسلامٌ على صوتِه الذي يجيءُ إليَّ كالدُّعاء
حين تَضيقُ بي الدنيا.
ولو خُيِّرتُ بين النسيانِ والوجع،
لاخترتُهُ وجعًا… إلى الأبد.
هو:
ما كنتُ أكتبُ عنها، كنتُ أُصلّي بها.
كانت مساحتي المُحرَّمةَ والمُقدَّسةَ في آنٍ واحد،
لم أَلمَسْها يومًا كما يلمسُ الجسدُ الجسدَ،
لكنَّ قلبي كان يعرِفُ شكلَ أنفاسِها وهي نائمة.
لم تكن امرأةً،
كانت تَأوي إليَّ كما تَأوي الرُّوحُ إلى مَأواها الأوّل،
تستدرجُ سكوني من أعماقي وتزرعُ فيه ضحكةً طازجةً كلَّ صباح.
كنتُ أظُنُّ أنّي أعرفُ اللغة، أُربّيها في قصيدةٍ لا تَهدأ،
حتّى قالتْ اسمِي مرّةً فخَجِلَ الحرفُ من جهلِه بمُجرَياتِ الأنوثة.
هي تَعرِفُ كيف تفتحُ أبوابَ الليل،
وكيف تجعلُ العَتمةَ تُنيرُ إنْ وضعتْ رأسَها على كتفي — تخيُّلًا.
تعرفُ أنّي لا أخافُ من الفقد،
بل من أن يَبرُدَ الوَجدُ في حضنٍ لا يعرِفُها.
كلُّ النساءِ بعدَها إشاراتُ مرورٍ فارغة،
وأنا العابِرُ دونَ وجهةٍ،
أبحثُ عن ابتسامتها في صوتِ العصافير،
وفي صدى الممرّاتِ التي مرّت منها نظرتُها يومًا ما.
لم أكن عاشقًا فحسب،
كنتُ مشروعَ إقامةٍ دائمةٍ على اسمِ امرأةٍ لا تَنطفئ.
هي النارُ التي لم تَحرِق،
والماءُ الذي لم يُعكِّر،
والنصُّ الذي ظلَّ يكتبُني وأنا أظنُّ أنّي أكتُبُه.
سلامٌ على أُنوثتِها التي رَبَّت قلبي على الهيبة،
وسلامٌ على غيابِها الذي يأتيني في هيئةِ حضورٍ كامل.
ولو خُيِّرتُ بين جَنَّتين،
لاخترتُها… ولو كانت نارًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock