رؤي ومقالات

د.فيروز الولي تكتب :الخلع السياسي… والانفصال العاطفي

اليمن بين وحدة على الورق… وطلاق في الواقع

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

في اليمن، الوحدة ليست مشروع دولة… بل حكاية زواج غير ناجح:
بدأت بحفلة أناشيد وطنية،
وانتهت بمحكمة التاريخ،
وبين الحفلة والمحكمة: ثلاثة عقود من نهب مشترك، وخيبة مشتركة، ومواطن يعيش حالة “خلع سياسي” يشعر أن الشريك سرق ذهب العرس وهرب.
شرع الله الخلع والانفصال عندما يموت المعنى ويبقى العقد، وعندما يتحوّل البيت إلى ساحة صراع لا ميثاق رحمة فيها. لكن الله لم يشرّع القتل والنهب والانتقام باسم الانفصال… ولا التكبير على رؤوس الشباب من أجل حفنة كراسي.
القصر الذي تحوّل إلى “صالون تجميل” للشرعية
قصر معاشيق… هذا المعلم السياسي الذي كان يُفترض أن يكون مطبخ القرار، تحوّل خلال سنوات:
إلى صالون تجميل لبيانات الشرعية،
إلى استديو تصوير للقنوات الدولية،
إلى فندق خمس نجوم للمفاوضات السِرّية عن مستقبل شعب يعيش في الظلام.
اليوم، عندما يضع المجلس الانتقالي يده على القصر… يشعر البعض أن التاريخ يعود إلى وضعه الطبييعي، بينما يشعر آخرون أن الطلاق أصبح رسمياً، وأن المحامية “الواقع” رفعت الدعوى ضد “الوحدة”.
لكن الحقيقة المؤلمة: الوحدة لم تسقط اليوم… هي ماتت منذ:
أول نهب أمني،
أول قتل سياسي،
أول محطة كهرباء متوقفة،
وأول شاب عاد من الحرب بجسد ناقص وروح محروقة.
اليوم فقط… نقرأ شهادة وفاة كانت محفوظة في الأدراج منذ سنين.
الأطراف المستفيدة… صناع الخراب المشترك
من المستفيد من استمرار الوضع؟ ليس المواطن الجنوبي، ولا الشمالي، ولا جندي في الجبهة، ولا امرأة في طابور الغاز.
المستفيد الحقيقي:
نُخب سياسية سمينة تتغذى على جوع الشعب،
لوبيات مالية بنت ثروتها على حكاية اسمها “الوحدة”،
حيتان نفط تفتت الجغرافيا وتلعب بالشعار الوطني كما يلعب طفل بالصلصال.
هؤلاء يخافون الانفصال… ليس لأنهم يحبون الوحدة، بل لأن: دفاتر النهب لم تُغلق بعد، وحسابات الخارج لم تُسدّد، وبعضهم يعيش على أمل: أن تعود المائدة مرة أخرى، وتُعاد القسمة.
التحليل النفسي:
الشمال والجنوب يعيشان علاقة مليئة بالصدمة:
كل طرف يشعر أنه الضحية.
كل طرف يرى نفسه صاحب الحق التاريخي.
الذاكرة لا تزال تنزف: 86، 94، 2015، 2023…
جيل كامل تربى على خطاب:
“نحن الأفضل… وهم الخاطئون”.
وبذلك أصبحنا أمام مجتمعين، كل واحد يطالب بـ “خلع” الآخر:
الجنوبي يرى الشمال مستعمراً،
والشمالي يرى الجنوب ناكرًا للوحدة،
بينما المستعمر الحقيقي هو: عقلية النهب والفساد وسوء الإدارة.
التحليل الاجتماعي:
الانفصال ليس مجرد قرار سياسي… بل تحول اجتماعي كامل:
هوية،
ثقافة،
نمط حياة،
جيل جديد لا يعرف ماذا كانت تعني الوحدة أصلًا، لأنه ولد في زمن:
الكهرباء ساعتين،
الرواتب مقطوعة،
الحرب مفتوحة،
الكرامة على بوابة المعابر.
التحليل الثقافي:
الثقافة اليمنية أصبحت موزعة بالمسطرة:
إعلام شمالي، إعلام جنوبي،
شعر شمالي، شعر جنوبي،
نكتة شمالية، نكتة جنوبية.
والأسوأ: اللغة نفسها انقسمت:
في الشمال: “وحدة”… معناها مشروع،
في الجنوب: “وحدة”… معناها كابوس.
التحليل السياسي:
الوحدة فشلت… لأنها:
بدون شراكة،
بدون عدالة،
بدون مؤسسات،
بدون دستور حي.
فشلت لأنها قامت على: صفقة لا دولة، وغنيمة لا نظام، وقيادات تعيش في الماضي وتخاف المستقبل.
والانفصال اليوم لا ينجح أيضًا إذا أدير بنفس العقول القديمة التي نهبت الوحدة… وتهرول الآن لتنهب الدولة الجديدة.
التحليل الاقتصادي:
الشمال والجنوب كلاهما الآن:
بلا كهرباء،
بلا عملة مستقرة،
بلا استثمار،
وبلا رؤية.
الانفصال غير المدروس سيخلق:
دولتين ضعيفتين،
اقتصادين هشين،
حدودًا متوترة،
هجرة عكسية،
نزاعات موارد.
الاقتصاد لا يفهم العواطف، يفهم:
الموانئ
النفط
الضرائب
الاستقرار
القانون
الاستثمار
إن لم تكن هذه موجودة… ستفشل حتى لو رفعت ألف علم.
التحليل العسكري:
أي انفصال لا يحميه:
جيش موحد،
عقيدة وطنية واحدة،
قرار سيادي مستقل، سيتحول إلى:
مليشيات متنافسة،
صراع حدود،
تدخل خارجي،
تكرار تجربة الصومال ويغوسلافيا بملابس يمنية.
وهذا ما يخافه المواطن… لا السياسي.
التحليل الدبلوماسي:
العالم لا يحب:
الدول الضعيفة،
الحدود الجديدة،
الخرائط الممزقة،
المشاريع الانفصالية غير المتوافق عليها داخليًا.
لذلك ستتحول القضية إلى: ملف تفاوضي طويل، ويبقى المواطن ينتظر:
ختم الأمم المتحدة،
بيان مجلس الأمن،
ونشرة التاسعة.
بينما تظل ثروته في البحر… والقرار في الخارج.
خاتمة
الوحدة كذبة جميلة ماتت على أيدي من كان يفترض أن يحميها، والانفصال حقيقة مؤلمة قد تنجح فقط إذا قادها عقل جديد، لا عقلية السمسرات السياسية.
الوحدة ليست شعارًا، والانفصال ليس ثأرًا. كلاهما مشروع دولة… إن لم تكون هناك دولة، فكل ما يحدث حرب أهلية طويلة بملابس جديدة.
اليوم أمام الشمال والجنوب خياران:
حرب لتقسيم المقسم،
أو سلام لتقسيم الحقوق.
رؤية للخروج بأقل الخسائر:
1- وقف لغة التخوين
ليس كل شمالي “ناهب”، وليس كل جنوبي “انفصالي”. لا تبنى الدول بنظارات الفيسبوك.
2- استفتاء شعبي
تحت إشراف:
دولي،
عربي،
دستوري، مع ضمان حقوق الأقليات.
3- اتفاق اقتصادي قبل السياسي
تقاسم:
النفط،
الموانئ،
الضرائب، بدون دم.
4- جيشين؟ لا
جيش واحد لفترة انتقالية… ثم إعادة تشكيله حسب الاتفاق.
5- مدن مشتركة
عدن وصنعاء: عاصمتان… بلا حرب، وشعب له جواز واحد إن أراد.
6- مصالحة تاريخية
فتح ملفات:
86،
94،
2015، للعدالة… لا للانتقام.
7- عقل جديد
بدون القيادات القديمة التي قتلت:
الوحدة،
الثورة،
الفيدرالية،
الجمهورية،
والروح.
إذا حدث ذلك… سيأتي يوم يقول فيه اليمنيون:
“لقد انفصلنا… لكننا لم ننفصل عن إنسانيتنا.”
وإن لم يحدث… ستكتب الأجيال القادمة:
“اليمن بلد مات من كثرة من أرادوا إنقاذه.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock