كتاب وشعراء

شاهدًا بما يكفي…..بقلم أماني الوزير

دعمك للعربي اليوم كفيل باستمرارنا

لم يكن الليلُ شاهدًا بما يكفي،
لأن ما ارتفع بينهما كان أعمق من الظلال،
وأسرع من الرجفة،
وأقوى من كل الحكايات القديمة
التي روتها إنانا حين علّمت جلجامش
كيف يُفتح بابٌ للرغبة، ويظلّ الضوء واقفًا عند العتبة.
دفءٌ
يمشي في الأعصاب
كما تمشي النار في فتيلٍ يابس،
يوشك أن يشتعل… بلمح البصر، وببطءٍ يكفي لذبح الصبر.
هناك…
حيث تتقاطع النظرة بالنظرة،
تتكوّر الأنوثة في مساحة صغيرة جدًا
لكنها قادرة على اقتلاع مدينة
لو مرّ عليها النسيم بالطريقة الخاطئة.
شيء يشبه النداء
يتسلّل من أعماقها،
لا يُقال،
لكن الليل حفظه: هيتَ لك…
ليس بمعنى الدعوة،
بل بمعنى الانكشاف،
الانجذاب الذي لا يعترف بالحدود
ولا بالرجوع؛ لا شيء غير الحضور الكامل.
كانت بينهما لحظة يضيق فيها الهواء،
فتتمدد الرغبة… كأن عشتار تبعث من تحت التراب
لتذكّر الجسد كيف يكون
في قمّة يقظته مُخدّرًا.
“زدني تعطّشًا لدمائك”
لم تكن جملة، كانت شهوة تتعرّف على نفسها،
عطشًا إلى ما وراء الجلد،
إلى الحقيقة التي تمشي بين اللحم والعظام
تحفر طريقها كما يحفر النهر
مجراه في الصخر بقدسيةٍ تامة.
لحظة تمشي ببطء مهيب،
وفي قربها ما يسحب الروح من عرشها،
ويجعل الجسد يبحث عن مكان يثبت فيه
أو ينهار بحلاوة… وربما يكتمل.
وحين يصير الليل أضيق من كتفيهما،
تخرج همسة حارة بعد زلزال قبلة،
كأنها سيف يلمع في عتمة الشهوة:
“خذني… كما يُؤخذ الحق، بيدٍ لا تعرف الارتجاف.”
خيطٌ خفيّ يتحرّك بينهما،
يحثّ الجسد على أن يفتح أبوابه
قبل أن تبرد اللهفة،
فتشتعل اللحظة حتى آخر شرارة قبل الانطفاء.
الأسماء القديمة
تجلس على أطراف المشهد:
عشتار تبتسم،
إنكيدو يختبر النبض،
جلجامش يوقن أن القوة
قد تنحني أحيانًا لتصبح دهشة،
وبروميثيوس يمدّ ناره
لصمتٍ… صار أكبر من أن يُسمّى.
كأنه يكتب تاريخًا جديدًا للجلد:
كيف يشتعل من نسمة،
ويتوتّر من نظرة،
ويفقد اتزانه
من اقتراب يكفي — وحده — لإسقاط مدينة كاملة.
في لحظات التوتر الجميل…
الحب في سكونه بين قلبين
يعلو…
يشتدّ…
ويعلن وصول النداء إلى ذروة الهذيان.
يبدأ الظهر في التوتر،
والصدر في الصعود والهبوط
بإيقاع غير منتظم،
كأن كل شيء على وشك أن ينفجر.
يصمت الكون،
وتتمدد لحظة من سكون في ليل متعب
لم تترك مساحة أخرى لذاكرة الحبر
تكمل عليها مشهدها
إلا حرارة تكتب نفسها
في الهواء… وتعرف أن النصّ لن يهدأ،
فالنار لا تنطفئ… إلا حين تشبع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock